كوثر العزاوي ||
اذا اشتدت حرارة الفقد، عادةً ما يتعطّل اللسان ومساحة من الذهن، إلا من همسِ أنينِ اللوعة الذي لادخل للّسان به! فأنّى لطفلة بعمر الورد تعلَم بنبأ استشهاد أبيها وتواصل المكوث في قاعة الامتحان صابرة بلا كلام،
أيّة طاقة ملكوتية هيمَنَت على كيانك "ياغدير" حتى احتفظتِ بكل هذا التوازن الذهني الذي أهَّلَكِ لتسطير إجاباتك في دفتر الامتحان! وأي ذهن لايضطرب تحت وطأة بعض همهماتِ من صخبٍ عاديّ، وأنت التي أعْرتِ السمعَ لأصوات المشيّعين لجنازة أبيك الشهيد وهي تمرُّ بمحاذاة المركز الامتحاني ليعرف الجميع أن الشهيد المشيَّع هو أباك ياغدير! ولعلّ عيون زميلاتك إليك شاخصة وعيناكِ تقطران الدمع وأناملكِ تسطّر مابقي من إجابات أسئلة الامتحان الوزاريّ!! بخٍ لقلبك الصغير وقد اشتعل بنار أمنية إلقاء نظرة الوداع على جنازة الشهيد في وقتٍ حضرت وصيتهُ لكِ{اهتمي بدراستك وأكملي المشوار}!
قلبٌ كتنور صبر إبراهيم انتنّ يابنات الابطال وذويهم ولَكُنَّ في بنات الحسين "عليه السلام" أسوة وقدوة ، انتصارٌ على الحزن كطوفانٍ لم يُبقِ سوى بقايا ذكريات ووصايا كنتِ وأمثالكِ من الأوفياء لها، فهو من اوصاكِ بمواصلة دراستكِ لأنها كمالٌ لمثلِ عقلك أيتها الصابرة!! ولعلّ مايستوقف الإنسان في مثل هذه المحطة تفسيرٌ عَذِب لقَولِه تعالى:
{ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون }
فهذا القول الذي يُذكّرنا دائمًا؛ بأحزانِ الأحرار والابرار ما جعلني أُرّدد في قرارة نفسِي" هذا الجمالُ الّذِي يستأنسُ به الألم ويهوِّن من حريق الفقد " فكل إنسان لابد مَردّهُ إلى الفَقد، إما فَقدُ مكان، أو فراق حبيب أو فقدَ حُلم بعد تحقُّقِ وهكذا، ومن جميل القرآن في علاجِ الفَقْد، هو التّذكير بأنّ ما فقدناه قد عاد إلى أصلِه، وأنه ليس مُلكًا لنا {إنّا للهِ} ثمّ التلميح بشكلٍ خَفِيّ، إلى أنّنا قد نسترجِع ما فقدناهُ ونلقاهُ مرّة أخرى بعد صبرٍ وكثير من رضا، ولكن في حالٍ أفضَل ومكان أجمل { وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فيهون الخطب بجرعةِ لطفٍ من الباري"عزوجل" يتضاعفُ مفعولها كل حين بإذن ربّها! وبلا شك أنّ الشهداء قد حسِبوا لهذا اليوم حسابهم، فروَّضوا ابناءهم وأهليهم وذكّروهم بالصبر حتى الملتقى عند مليك مقتدر، ومن هنا يرى المؤمن البلاء جميلًا أسوة بعين الجمال والبصيرة ومثالها" زينب ابنة عليّ والزهرا" عليهم جميعا سلام الله.وسلام على أرواحٍ عشقت الشهادة فوطَّنت نفسها على التضحية حتى الوصول.
٢٧شوال١٤٤٣هج
٢٩-٤-٢٠٢٢م