لمى يعرب محمد ||
في عتمة الليل وسكونه، دخل شيطان منزل، اخذ يبعثر بكفيه كل زواياه، كأوراق مجلة قديمة ممزقة، يقلب فيها شمالا ويمينا، يدور حولها يتأملها، يقفز يتأرجح كأنه بهلوان سيرك مرتديا جميع الألوان ، يستدرج الصغار والكبار، النساء والرجال، يبرز لهم نفسه بهيئة رجل لطيف، يوهمهم بكلامه المعسول ووجهه البريء، وما بين غاو ومتغافل تبعوا أهواء الشيطان، لا صلاة ولا صوم ولا وحي كان، الشيطان هو العابد وهو المعبود!!.. اخذ عقل العاقل وهتك حجاب المستور، يلهث خلفه أصحاب المعالي وكل أصحاب الألقاب، ظنوا إن بوصلة السعادة بيده، ساروا نحوه بلا شعور، باعوا أرواحهم، وابرموا عقدا مع الشيطان!!.. تغيرت عندهم العقيدة والنظم والأعراف، أصبح دينهم ميت وأخلاقهم بلا عنوان، والعجيب إن الضلال لم يقتصر على وسوسة النفوس فقط، وإنما تتعدى إلى نكران الحق وتزيين الباطل، فلا ضمير يؤنب ولا نفور "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون".
دخل الحق والباطل بصراع دائم لا ينتهي، يشهر الشيطان سيفه باستمرار مرة هنا ومرة هناك، يدعي الحق باطلا والباطل حق، يخلط يشوش يمزج السم برحيق العسل، حتى كاد الحق أن ينتهي!!..
بات ثقيلا مخجلا لا يواكب متطلبات العصر، خلعنا ثيابنا العريقة و لبسنا لباس الكذب والنفاق بحجة التحضر والدبلوماسية، لا صاحب لك ولا رفيق، عزائي لكم يا أصحاب الحق إن الحق قديم، نحن في عالم تشابك المصالح، كل حلقات المنافع الخاصة متكاملة إلا حلقة الحق مفقودة، "وأكثرهم للحق كارهون"، اخطر صراع قد يحدث اليوم حينما يمزج الحق بالباطل، أو تطعم مسألة باطلة بشيء من نكهة الحق، هنا يستولي الشيطان بكل قواه ويفرح لهكذا ظاهرة!!..
هذا ما نشعر به الآن، أنفاس الشيطان تستنشق هواء المجتمع العراقي، ويطلق زفيره بهدم بناء الإنسان بجميع مجالاته، هدم الأسرة وهدم التربية، هدم التعليم هدم ثقافة أجيال بكاملها، هدم القدوة الحسنة، عليك أيها الشيطان بالعلم والعلماء ورجال الدين والمفكرين، اطعن فيهم وقلل من شأنهم، اهدم مؤسسات الدولة ووزاراتها دلس العقول لا تجعل أهمية لأي مكانة علمية، حينها يصبح الناس في تيه وحيرة وتخبط تام، لا يعرف طريقه من أين يبدأ وأين ينتهي!!.
فلنعترف نحن لسنا في زمن الحروب الكلاسيكية، نحن في زمن تفكك نسيج الأسرة والمجتمع والمؤسسات الحكومية، نشاهد اليوم وزارة لا تستطيع حفظ أسئلة طلابها لأداء امتحانات (البكلوريا)، التي هي من المفروض أن تكون حجر الأساس في تكوين الفرد ومصدر التربية والتعليم، وصقل الشخصية والذهاب بها إلى الأفكار الصحيحة، والقيم والممارسات التربوية السليمة.
انحراف البوصلة عن اتجاهها الصحيح، تكوين مجتمعات هشة تنحل فيها البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية، هو مشروع صهيوصليبي والذي لم يعد خافيا على احد.
هذه المرة لا نرغب بشعار (نريد وطن)، نريد من يحرص ويحافظ على نسيج هذا الوطن ومؤسساته، كلمة الحق التي يراد بها الباطل لن تدوم طويلا، سبقت كلمة الله التي لا مرد لها، والله لا يخلف وعده، الحق منتصر لا محال مهما طال الصراع