لمى يعرب محمد ||
إن نظام الحياة في الكون هو برنامج متكامل للتربية والإصلاح، والله يختبر عباده عن طريق هذا البرنامج بصورة عامة، ليظهر ما يضمرونه في أعمالهم، فيستعرض الإنسان قابليته وكفاءاته، واستعداده الباطني وسريرته، وينتقل به من قوة إيمانه إلى قوة فعله، ولدينا في القران الكريم قصص عديدة لاختبارات الأنبياء، والرسل والأوصياء، وما حل عليهم من المحن والبلاء في الدنيا، ومن الأنبياء الذين خضعوا للاختبارات الإلهية، نبي الله لوط (ع)، هذا النبي المهاجر إلى الله كأخوته من الأنبياء، والقصة المعروفة والمذكورة بالقران الكريم، عاش سيدنا لوط (ع) في مجتمع فاسد منحرف، يعملون المنكرات والأفعال السيئة، ولم يتسمعوا لنصائح لوط نهائيا، وتذكر القصة عندما وصل ضيوف نبي الله لوط بيته علم سكان مدينته بهم، فتجمعوا عند منزله وراحوا يطرقون الباب بعنف، هنا أصبح لوط باختبار الهي صعب، أما أن يستسلم لأمر قومه ورضوخه تحت قوتهم أو يحطموا عليه منزله ومن فيه، حاول لوط (ع) محاورتهم (أليس منكم رجل رشيد؟!..)، دون جدوى!!..
عندها تمنى النبي لوط (ع) أن يأوي إلى قوة وركن شديد صلب يستند عليه، فيه العز والمنعة يدفع فيه الخطر الذي كان يهدده فيه قومه، فيأتيه الفرج على يد قوم ورجال، لديهم من القوة والقدرة النفسية والجسمية لإقامة الحق والعدل في مجتمع مشبع بالانحرافات السلوكية والفكرية.
هذا هو الهدف الرئيسي الذي كان يتصدى له الأنبياء والأوصياء دائما، على مر العصور والأزمان، مقاومة الظلم والاستبداد والفساد المتفشي في مجتمعاتهم، وأي شخص يريد أن ينتهج طريق إصلاح المجتمعات يجب عليه تحقيق الشروط الأساسية التي كان الأنبياء يتحلون بها وهي الصبر والثبات، هذه الأسلحة والعوامل التي كانت تساعدهم في طي صعوبات مسيرتهم .
إن الإمام الخميني عندما قام بالثورة الإسلامية، لم يكن احد يتصور أن ينتصر على أعداء حاقدين مقتدرين في المجتمع، ولكن المنهاج الصحيح الذي التجأ إليه في ثورته، والمسار الذي رسمه لشعبه جعلهم أكثر الشعوب حيوية وافتخار، حيث أيقظ فيهم المحبة والإيمان، فالإصرار الذي كان يتحلى به، كان ركنا شديدا لبناء دولة تكون أنموذجا عمليا للعالم اجمع، أعار هذا الموضوع أهمية كبرى، مؤكدا دائما على ضرورة إصلاح البلد من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
" قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ " 80 سورة هود
ما هو المراد من القوة والركن الشديد في الآية المباركة؟!!..
عن الإمام الصادق(ع) في قوله تعالى:" لو أن لي بكم قوة"، القوة القائم (ع)، والركن الشديد ثلاثمائة وثلاثة عشر.
الإشارة هنا لشدة أصحاب القائم(ع)، وان الرجل منهم ليعطي قوة أربعين رجلا، وان قلبه لأشد من زبر الحديد، هذه الجهة هي التي ستكون بمواجهة عملية هدم البرنامج التربوي والسلوكي للإنسان، ومن ابرز ملامحه المجتمع المنحرف الذي كان بزمن نبي الله لوط (ع) وفساد المجتمعات في مختلف الأزمنة، لهذا إن لوطا النبي(ع) استجار بالقوة والركن الشديد، كما استجارت الشعوب بقادة مصلحين صالحين.
اللهم اجعلنا من الركن الشديد، الذين تمناهم نبيك يوم ضاق صدره فلم يجدهم، واجعلنا ممن نطق فيهم رسلك وأوصيائك، المستبشرون بأمرك، المنضوون تحت القيادة المعصومة، والمؤيدة بالتشريع الإلهي المطلق.