انتصار حميد ||
كان العالم برمته يدين لمعسكرين ماديين, عندما فجَّر الإمام الخميني (قُدِّس سرُّه) ثورته التاريخيَّة التي أصرَّت على إعادة رسم الخارطة السياسيَّة للعالم بأسره, وفق معادلة جديدة, وضعت على رأس أولوياتها استثمار بريق النظرية الإسلامية, وبث الروح في تلك القيم التي أخذت بزمام الحياة, وفقا لمعاني العدل والحريَّة, المنبثقة من رؤى القران الكريم, وسنة المعصومين عليهم السلام.
من هنا كانت أهميَّة الحدث التاريخيّ, ومن هنا صارت أفكار الإمام (قُدِّس سرُّه) منهاج عمل لجمهوريَّة إسلاميَّة نأت بنفسها أن تكون تابعاً لواحد من المعسكرين (الغربي والشرقي), وآلت إلَّا متابعة تعاليم السماء بوصفها منهجاً لقيادة الأمة, فحقَّق بذلك حلم الأنبياء.
إنَّ أساس فكر الإمام الخميني (قُدِّس سرُّه) يستند إلى قاعدة الإسلام المحمديّ الأصيل. وانتصار ثورته هو انتصار للمظلومين, وهذا بدهي إذا ما تمَّ النظر إلى ما أثبتته الثورة، والمواقف السياسية للامام روح الله الخميني طوال فترة نضاله ضد الشاه وداعميه, ومقارنتها مع مواقف بعض الشخصيات العلمانيَّة, والأحزاب, والتيارات السياسيَّة, إذ يشير ذلك بوضوح إلى مدى ثبات الإمام على المضي نحو تحقيق اهدافه, وعزمه الراسخ على مواصلة النهضة، بخطى واثقة من المنهج، ومن جدوى الثورة على الرغم من تشكيك أقرب الناس في الوصول إلى تحقيق أهدافها.
نفس عظيمة، كان من ضمن وصاياها للشعوب الإسلامية, ألَّا تنتظر هذه الشعوب أن يأتي أحد من الخارج ليساعدها في تحقيق الهدف الذي أراده الإسلام في تطبيق الأحكام الإسلاميَّة, بل عليهم أن يبادروا هم بأنفسهم لتحقيق الحريَّة والاستقلال.
وقد جسَّد الإمام الخميني (قُدِّس سرُّه) في وصفه للحكومة الإسلاميَّة "الحكومة الإسلاميَّة حكومة نموذجية, لا هي استبدادية, ولا مطلقة (أي ملكيَّة), ولا دستوريَّة بالمعنى المتعارف عليه في أيامنا, حيث وضع القوانين يخضع لآراء الأشخاص والأكثريَّة, فالحكومة الإسلاميَّة شعارها الأساس بناء الأنسان, وهي تختلف عن الحكومات الأخرى التي تسعى لتحقيق المصالح الماديَّة للناس, وتحاول أن تنشر الخراب ".
وتتبلور نظريَّة الامام الخميني في أصول الحكم الإسلامي في كتابه الحكومة الإسلامية, والذي أشار فيه إلى "ولاية الفقيه" بأنَّها فكرة علميَّة إسلاميَّة واضحة لا تحتاج الى برهان, والتي اختلفت في التطبيق بين السنة والشيعة, فهي "ولاية" عند الشيعة و"خلافة" عند السُّنة.
فيقول الامام (قدس سره) أن المستعمرين نشروا فكرة "أن لا حكومة في التشريع الإسلامي, وعلى فرض وجود أحكام شرعيَّة مهمة, فأنها تفتقر إلى ما يضمن لها التنفيذ ومن ثمَّ فالإسلام مشرع لا غير". ولكن الامام الخميني يوضِّح نقطة هامَّة وهي أنَّ ما كان للرسول عليه الصلاة والسلام, فهو للأئمة المعصومين من بعده بناءً على استخلاف الرسول الكريم لهم, وهذا الإستخلاف لشرح هذه القوانين وتنفيذها, لأنَّه لا قيمة لقانون بدون منفذ. "فالنضال من أجل تشكيل الحكومة توأم الإيمان بالولاية".