علي علي ||
يبدو أن عراق مابعد عام 2003 يختلف تماما عن دول العالم وبلدانه وأممه، سواء أكانت من النامية ام الفقيرة ام المتقدمة!. ولا ينحصر وجه الاختلاف في جانب واحد دون غيره، بل هو اختلاف جذري جوهري متأصل في جوانب كثيرة، يأبى مغادرة العراق والعراقيين، ولاسيما حاكموه ومسؤولوه، على الرغم من تعدد الحكومات التي تعاقبت على حكمه، وتغير السياسات المتبعة في إدارته، وكذلك الشخوص الذين تبادلوا الأدوار في مسك زمام أموره، والتسلط في صنع القرار فيه.
ومن أوجه الاختلاف تلك مايمكن حصره بين قوسين، ومنها مالايحدها قوسان او أربعة او مضاعفاتها، وقد أكون موفقا إن ذكرت نزرا من هذه الاختلافات في السطور التالية، فمنها:
- أن مسؤوليه ومتقلدي المناصب الرفيعة والحساسة فيه خطاؤون غير توابين.
- أنهم لايلدغون من جحر مرتين، بل مثنى وثلاث ورباع.
- أن كلهم راعٍ.. إلا أنهم غير مسؤولين عن رعيتهم.
- أنهم ركعا لمصالحهم، سجدا لمآربهم يبتغون ملء جيوبهم سحتا.
ولعل أسوأ خصلة فيهم أنهم يرون الناس صنفين، إما عدو لهم في الدين والمذهب، او ند وضد لهم في الخلق. لذا نرى متبوئي المناصب العليا، لايألون جهدا في إنزال الضرر بمرؤوسيهم بشكل او بآخر، وبوسيلة او بأخرى، وإن تعذرت السبل يزجون بهم في محرقة او مهلكة، ذات مشأمة، وهذا مانراه جليا بدءًا من حوادث الأعوام 2005-2006- 2007 ويسري الأمر على حادثة "سبايكر" وصولا الى مجزرة الثرثار، مرورا بآمرلي التي غض عنها الساسة والمسؤولون والقادة العسكريون أنظارهم، وتركوا رعيتهم هناك محاصرين بين فكوك الإرهاب، تلوك بهم أنى شاءت وتطحنهم نواجذ التكفير بكل وحشية وقسوة، والأمر هذا لاينتهي عند الصقلاوية والسجر وجرف الصخر، كذلك لايتوقف في سنجار، ولايقف عند الاغتيالات التي تطال الصحفيين وغيرهم من الأبرياء، وماخفي كان أعظم.
مقابل هذا كله، هناك من جانب القيادة العليا، ردود أفعال تتسم بالتهديد والوعيد بالضرب بيد من حديد، والعزم على أخذ الثأر والاقتصاص من المقصرين والمتهاونين والمتخاذلين. فما أشرقت الشمس على العراقيين إلا تصدَّر نشرات الاخبار اليومية، نبأ صدور عدد من مذكرات استقدام او استجواب بالجملة، بحق قادة عسكريين او ضباط ميدانيين، أو مسؤولين يتبوأون مراكز وظيفية مرموقة، بغية الوقوف على خرق او تواطؤ او خيانة او (طرگاعة).
كذلك من ردود الأفعال المخجلة، هو قيام بعض النواب بحملة لجمع تواقيع بين فينة وأخرى، بغية سحب ثقة بحق مسبب بكارثة، راح ضحيتها عشرات او مئات من العراقيين الأبرياء، وكأن الثقة مبلغ من المال او سلعة أودعت لذاك المسؤول او هذا الضابط، ومن لم يلبِّ نداء الاستقدام او الاستجواب يصدر بحقه أمر إلقاء القبض، وهذا أمر جميل فالكل يخضع لتطبيق القانون. لكن الذي يحدث -وليس جديدا حدوثه- ان كل فرد من هؤلاء، يحضر الى الاستقدام وكأنه ذاهب لمناقشة رسالة الماجستير و(بايگ الأسئلة) متأبطا لكل سؤال عشرات الأجوبة والأعذار، بالمستندات والوثائق والبراهين والشهود، ولكل فقرة قانونية ضده هناك ثغرتان قانونيتان محسوبتان ومدروستان، وقد تكونان موضوعتان عمدا تخرجانه كالشعرة من العجين من جرمه، واذا اشتد عليه الاتهام وقلت حيلته في اثبات براءته، يكون الدستور ملاذآ آمنا له، فيغطي جرمه ليستنبط منه مادة او فقرة تبيح له ما قد فعل.
وهكذا يكون رد فعل الحكومة والجهات المعنية، إذ (لاجير ولابسامير) وبذا ينجو صاحبنا من الحساب، وتبرر ذلك الحكومة تحت ذريعة أن الدستور وُلِد على عُجالة وبحاجة الى تعديل (عالبارد). وتضيع دماء الضحايا وتقيد الحادثة ضد مجهول، او تحتسب من ضمن الأخطاء العسكرية التكتيكية، و(رحم الله والديه من زار وخفف).