سجاد الدخيني ||
كبقية الأهمات، كانت كل عام كانت تنتظرُ ان تُكحل عينها بزواج ولدها، وفلذةِ كبدها، الذي أفنت سنين دهرها في سبيل إنشائه نشأت محمد آل محمد
أم جاسم، هي كأي أُمٍ، كانت تتمنى ان تزوج ابنها الوحيد قبل أن يوافيها أجلها وتفرح بزواجهِ،
إلا أن ذلك كان بعيداً كل البُعد، عن أفكار الفتى.
جاسم الذي يترقب الطالب بدم المقتول بكربلاء لكي يكون جنديا مخلصاً في جيشهِ، صباحاً ومساً، وكان يتوسل الى الله تعالى في كل صباح، وبدموع حارقة، اللهم ان حال بيني وبينه الموت، الذي جعلته على عبادك حتماً مقضياً، فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني، شاهراً سيفي...الى آخر دعاء العهد،
الى ان جاء ذلك العام الذي كانت فيهِ بلاده تعيش حالة من التشتت والانقسام السياسي،
ففي أحد الأيام وبعد انتهاء صلاة الظهرين، اتصل به أحد اصدقائه، وقال له، "لقد سقطت مدينة الموصل، والارهابيون يزحفون نحو بغداد، وقد هددوا بتدمير كربلاء والنجف"
لم تكن الاخبار التي وصلت لهُ مجرد أحداث عابرة فالبصيرة التي يمتلكها، واليقين الذي يحمله بأن شيعة هذا الزمان هم تحت نظر ورعاية المولى صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف، فلم ولن يتركهم لوحدهم، ولو أجتمع عليهم الإنس والجن، فهم حزب الله الغالبون.
بعد يومين من أحداثٍ، جعلت العالم يعيش حالةً من الارتباك والخوف والرعب، خرج من بين أزقة النجف القديمة ومن بين بيوتاتها المتهالكة، ذلك البيان الصادر عن مكتب المرجعية الدينية معلناً عن فتوى الجهاد الكفائي لمن يتمكن من حمل السلاح لمقارعة الارهابيين،
كان جاسم من أوائل المُلبين للنداء المقدس، إذ انه كان على عقيدة راسخة بأن من أصدر هذا البيات هو ثقة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، وانه مسدد من قبلهِ بأبي وأمي،
كان التحاق جاسم للقتال، صعبٌ مستصعب على قلبِ والدتهِ، لكنها لم تكن لتستطيع ان تمنعهُ من تلبية نداء العقيدة، ولا تريد ان يتكرر فيها سيناريو بعض نساء الكوفة الّلاتي منعن ازواجهن وأولادهن من نصرة مسلم بن عقيل، بل ذهبت لتحفيزهِ على الجهاد.
فأم جاسم كان في قلبها منذ الأزلِ أمنيةٌ، هي ان يكون لها دورٌ في في بناء دولة العدل الإلهية بقيادة بقية الله في أرضه الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، ولو كان ذلك الدور يسيراً، فكانت منذ شبابها تنظر للسماء وتخاطب إمامُ زمانها وتتوسل به ان يشملها بدعائه حتى تكون ممن يأخذ بحجزتهم،
التحق الفتى بفصائل الحشد الشعبي وشارك في الكثير من عمليات الحرير، كان يتمنى أن يرزقهُ الله بالشهادة، بل كان يبكي لأنه لم يرزق بها، بعد،
وفي إحدى الأيام كان جاسم جالس مع مجموعة من أصدقائه وهو يحدثهم عن صاحب الزمان وكيف أن الإمام الصادق عليه السلام كان يتمنى، أن يعيش في هذا العصر، لكي يخدمه، وكيف كان أمير المؤمنين يضرب على صدره ويقول "آه شوقاً لرؤياه"
في هذه الأثناء رن هاتف جاسم، واذا بوالدتهِ تتصل به، وبعد أنتهاء الإتصال، انتبه له الأصدقاء وقد بدى التغير واضحاً عليه، وبعد ان استفسروا منه عن الاتصال الذي تلقاهُ، أخبرهم ووجههُ مُحمر، بأن والدته تنتظر نزوله لكي تخطب له ابنة عمهِ،
في عمليات تحرير مدينة سامراء المقدسة، وبعد زيارةٍ لمرقد السيدة نرجس والدة إمام زمانهِ، عليهما السلام، كُلفَ مع مجموعة من المجاهدين الغيارى، بفرض السيطرة على مجموعة من البيوت، لفتح ثغرة عند العدو، الذي يحاول الوصول للمرقد الشريف
وتم ذلك بالفعل وبنجاح باهر، ولكن بقى بيت واحد كانوا يظنون بأنه آمن فلم يأخذوا حذرهم منه، ولكن جرذان الشر، كانت تختبئ في كل حفرةٍ ممكن ان تأويها، فخرج من ذلك المنزل سهماً اصاب ذلك الشاب ذو التاسعة عشرة من عمرهِ فذبحوه من الوريد الى الوريد،
ما كان لرملةِ هذا العصر إلا أن تقول لله تعالى، وجثمان ابنها الطاهر أمامها، ( اللهم تقبل منا هذا القُربان، وأن كان لا يكفيك فخُذ حتى ترضى، اللهم انه قد أفنى عمره وهو ينتظر ظهور وليك المذكر بك وبنبيك، وانت أعلم بذلك مني، اللهم فبحرمة هذه الدماء، عجل بظهور إمامنا المهدي).
هنا وكأن صوتاً صدح في أذنها يقول
يا أيها اللبوة الممهدة بدمائكم تعجل فرج إمامكم