لمى يعرب محمد||
س/ ارسم لوحة تتضمن خارطة وطنك بمضمون فني بسيط..
مسكت ريشتي لأرسم ما طلبت مني معلمتي في التربية الفنية، تهتﹸ بمخيلة منذ الولهة الأولى ماذا ارسم؟..
تبسمتﹸ وقلت إنني تلميذة مجتهدة وهذا سؤال سهل، أخذني الخيال إلى سماء زرقاء صافية داهمها ظلام دامس، بداخلها عيون واسعة بيضاء كأنها عيون يعقوب وشيبته، توغل في سفينة تشق أمواج الدنيا، تراءت لهن منظر عجيب، فيه من الفتن والشقاق والهرج والمرج، أمواج تتلاطم مع بعضها البعض، موج ابيض ناصع وموج اسود كاحل، وموجة زرقاء تخترقها أشعة الشمس، تسير خلف السفينة، أمام السفينة وادي عميق كالوحش المفترس، متجهة عليه تتمايل بين غموض الأمواج ومتاهاتها، نظرتﹸ إلى متاع السفينة، وجدت أناسا وأقواما مختلفين، يحيطون بأسماك كبيرة، تتحين الفرص لتفترس المتاع، تغوص في عمق البحر وتعود، تدفعه إلى الجنون، أرغمت السفينة على أن تكون في مهب الريح والأمواج، خارجة عن السيطرة، كريشة في هواء، ضياع وغرق أو نجاة بقدرة القادر!!..
ارتعشت يداي وأنا ارسم لوحتي هذه، اختلجت العواطف في نفسي، اختنق صوتي واصفر لوني، وعشت عذاب هذا المنظر، وسرعان ما تذكرت عيون يعقوب البيضاء والموجة الزرقاء، لا أهمية لنا بذكر الأسماء، فالواقع اشد قوة على المنكرين، "جمال" عيون يعقوب بعد أن شم ريح يوسف فارتد بصيرا، و"قاسم" الموجة الزرقاء مخترقة أشعة الشمس تقسم ظهور الأسماك والحيتان المحيطة بالسفينة، محولة اتجاهها من الوادي الضيق إلى شاطئ الأمان.
هذا الهيام الغريب الذي اخذ العيون البيضاء تحدق بالسفينة و تقول " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة"، بدمائنا وأجسادنا الممزقة انتزعنا أنياب الحقد من جسد السفينة، ولكن كان علي إلزاما أن أكون مستعدة لأكمل رسم بقية اللوحة وأوجه ريشتي وأشير، لو أمد الله بأعماركم لأخبرتكم إن السفينة لا زالت تحت جنون الأمواج والربان الخائن وكوابيس الليل والنهار تحاط بها من جميع الاتجاهات، لولا رحمة الله التي شملتنا "بلقمان الحكيم"، يقيس لنا نبضات قلب السفينة باستمرار ويحافظ على انتظامها وديمومتها في الحياة قدر الإمكان.
بعد إن فرغت من رسم لوحتي شاهدت جميع زميلاتي ومعلماتي، واقفات عاجزات محتقنات العيون لفرط البكاء ناظرات إلى بريق وجه "لقمان الحكيم"، والغضب المكبوت بداخلهن يصرخ ويقول، متى سترفع سارية السفينة بيدك مطرزة بألوان الجنان..
(يا قائم آل محمد)!!..
https://telegram.me/buratha