انتصار حميد ||
كان طريقي إلى الاعدادية يمر بمحاذاة بوابة الفيلق الرابع إبان حكم الطاغية. ما كان يشدُ انتباهي مشهد كان يتكرر في كل صباح, طابور طويل من الرجال والنساء المدنيين, يتدافعون من أجل الدخول إلى جوف الفيلق.
لا أذكر كم مرة سألت نفسي هذا السؤال: ما الذي يفعله هؤلاء في هذه الثكنة العسكرية المخيفة؟
واستمر هذا السؤال يلح عليَ حتى السادس الاعدادي, إذ تبين لي أن هؤلاء مجاميع من (المصادر) الموثوقة لدى مدير الفيلق, مهمتهم نقل الأخبار والمعلومات عن سكنة المحافظة.
لم تكن أعدادهم تقل عن عشرات الآلاف.
يا ترى أين ذهب هؤلاء؟ لستُ أميل إلى وضع الخطوط على أية حال, سواء كانت حمراء أم صفراء, إلا أن معاداة الحشد تذكرني بالتركة الثقيلة التي خلفها البعث, ومثلي مثل أي منصف آخر أجدني مضطرة لوضع خطٍ أحمر هذه المرة, لم تكن فتوى "الجهاد الكفائي" التي صدرت من أعلى مرجعية شيعية في العراق موجهة الى الشيعة فقط, او إلى فئة معينة, بل كانت موجهة لجميع العراقيين.
ففي الوقت الذي كان فيه العراق يُحتضر, برزت قدسية "الحشد" في المشهد العراقي, لمواجهة سيل جارف من الدواعش: دواعش الإحتلال, دواعش السياسة, دواعش الفساد, دواعش القتل والإرهاب, ودواعش منع الدوام, فضلاً عن دواعش آخرين سيأتي دورهم لاحقاً.
أثبتت قوات الحشد الشعبي بفعل ميداني ملموس أنها الظهير القوي الذي لا غنى عنه, وهي تخوض اشرس معركة ضد أعتى الجيوش الظلامية, المنبعثة من دهاليز التاريخ الغابر والموحش, وهلوسات الفكر التكفيري المتوحش.
ورغم ما تعرض له الحشد من اتهامات تنطلق من زوايا طائفية, ومناطقية معتمة ضيقة, وخالية من الأنصاف, هدفها إضلال الرأي العام, ليعطوا للحشد توصيفات طائفية, ومناطقية, ومليشياوية, الا أن ذلك كله لا يُزعزع من مكانة الحشد وتاريخه المشرق, وكيف ذلك و "جمال" العراق.. رفع رؤوسنا ومضى صابراً محتسباً, طاهر الثوب, نظيف اليد, شهد له الناس بالزهد والتواضع, والقلب الطيب, و "سليماني" ذلك البطل هو من حمل الحق على راحتيه, ورسم الوفاء في خطوط يديه, ونذر حياته لإعلاء كلمة الحق في كل مكان, مسطراً آيات الشجاعة والمقاومة.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha