كوثر العزاوي ||
لايخفى على متتبعٍ لتاريخ العراق وهو يرى ماتعرّض له هذا البلد من أهوال ومحن ومصائب يشيب لها الصغير قبل الكبير، ولعل ابرز حقبة مأساوية تعرّض فيها العراق الى الكثير من الأحداث والرزايا والخطوب، هي حقبة القرن العشرين من تاريخه وأقساها بما يقارب الأربعين عامًا الأخيرة قبل سقوط البعث المجرم ، إذ شهد آنذاك تسلّطًا بعثيًا طاغوتيًا لايرقُبُ في مؤمنٍ إلًّا ولاذمة، مِن خنق الحريات ومصادرة الحقوق إلى التجاوز على كل الحرمات والمقدسات لدرجة القتل والاعدام لخيرة الشباب والكفاءات والمقامات العلمية والدينية وطمس ذكْر كل من يعارض النظام العفلقي تحت أي عنوان ولو ببنت شفه! حتى غصّت السجون بالبشر، عدا مَن دُفِنوا أحياءً في مقابرَ جماعية ضمَّت المئات من مختلف الفئات العمرية لتبلغ أعداد المقابر بالمئآت موزعة على بقاع أرض العراق، ويوم ولّى طاغية العراق المستكبر بعارهِ وشنارهِ وجرائمه التي يندى لها جبين الإنسانية{قلنا الحمد لله رب العالمين} ولكن بعد فسحة من التقاط الأنفاس، حلَّ في بلدي سارق بزيِّ الصديق البغيض، إنه الاحتلال الأمريكي الذي ماإن وطِأت قدماهُ أرض المقدسات، لم تبقَ مصيبة إلّا وحلّت في هذا البلد حتى بلغت إلى اليوم عامها الثامن عشر، ومنذ ذلك اليوم والمصائب تترى، وحصاد الموت المعنوي والمادي قائم، وحياكة الخطط الخبيثة للحيلولة دون استقرار البلد لا زالت مستمرة، فلا يمرّ يومًا إلّا وثمّة مصيبة أو حدث!! ويومًا بعد يوم، والأزمات والمشاكل والمنغصات في تصاعد مع غياب القانون في ظل حكومة تصريف أعمال،وكلّ ينهش في جانب من جسد العراق الممزق، بل كل شياطين الأرض في الخارج والداخل سيما أبناء الجلدة فهم يزايدون بعنوان الإصلاح لينهبوا خيراته وتاريخه وحتى مقدساته، وليمزقوه وليقتلوا أهله بلا رحمة ولا شفقة وبلا تردد ولا خوف من الله ولا من ضمير، إلّا أن للمشهد قراءة أخرى تبعث الأمل وتداوي الجرح، من جهة تسارع الاحداث السياسية وكثرة الظواهر الكونية التي تحدث بين الآونة والأخرى بشكل غريب، كل ذلك من علامات آخر الزمان ليقترب العراق من تشكيل بوابة عصر الظهور واليوم الموعود، وقد يكون للاحداث التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط عمومًا وفي العراق ودول المحور خصوصًا على الصعيد السياسي والبيئي والأمني، ماهي إلّا علامات تتطابق مع الروايات المعتمده من قِبل الباحثين في موضوع القضية المهدوية التي هي من صلب عقيدتنا إذ شكّلت مَعلَمًا اساسيًا واضحًا في منظومة الظهور المقدّس، وهو الأمل الذي يعوِّل عليه الأثنا عشرية من الشيعة حيث
أجمع المختصون في الشأن المهدوي، من كتّاب وعلماء وباحثين ومستشرفين، على أن البشرية اضحت تقترب بشكل أو بآخر من عصر الظهور المقدس، كما أنّ العلامات المتواترة، إنما تدلّ على ذلك، وهي علامات متداولة يتناقلها الكثيرون سواء من الباحثين او عوام الناس من المهتمين بالشأن المهدوي،أولئك الذين باتوا يتحرَّقون شوقًا لظهور المنقذ المخلّص بعد أن تفشّى الجور والفساد وانتشر الفقر واصبح الواقع البشريّ متدنّيًا على مستوى القيم والاخلاق في مساحات التعامل اللانساني بين الحاكم والمحكوم وبين فئآت المجتمع أنفسهم، مما أدى ذلك الى ضياع العدالة وغياب التقوى وإشاعة الفرقة وتمكين العدو، وهذا للأسف الشديد يتجلى اليوم في المجتمعات الاسلامية بشكل واضح وهو ما يحرّك في الاعماق هاجس الانتظار ويعمّق شعور اللهفة والحاجة للمنقذ الموعود الذي سيملأ الارض قسطًا وعدلاً بعد أن ملأت ظلمًا وجورا، وذلك عزاؤنا الذي يقطن في ضمائرنا كلما عظُمَ البلاء وانقطع الرجاء وضاقت بنا السبل لنرى بوصلتنا تلقائيًا تؤشّر صوب الناحية المقدسة مستغيثة، لعِظَمِ مايجري من تفاقم الأزمات واتساع رقعة الفوضى في عموم العالم والعراق خاصة، ما يجعلنا على يقينٍ خالص بأن الامور تسير وفق تسلسل منطقيّ يفضي الى حالةٍ تمهّد لمرحلة من مراحل الظهور، وأن سيكون للعراق دورًا كبيرا في مجمل عملية التمهيد، اذ ان الحديث عن اهمية العراق التاريخية، وماتكتنز أرضه من ثروات طبيعية وتشرّفها بمراقد سبع من ائمة المعصومين وكثير من مقامات الأولياء والصالحين،كل ذلك الإرث المقدّس الذي يمتد الى آلاف السنين، لم يكن من وحي الاستنتاج، إنما أكدته الاحاديث وكُتب السيرة بأسانيد صحيحة ومعتبرة، موضحة دور العراق المهم في مجابهة قوى الباطل المضادة لجبهة الحق للامام المهدي" عجل الله فرجه" وهذا مايقتضي أن نكون أمام حقيقة تاريخية ضخمة لايمكن تسفيهها أو تفاديها بسهولة، وهي: انّ العراق هو بوابة لظهور القائد الأقدس الذي بشرت به كل الديانات السماوية "ارواحنا فداه" كما هو دولة العدل الالهي المنتَظَرة، والكوفة غدًا هي عاصمة دولته العالمية التي سيقودها ليسود العدل والنور وتنجلي الظلمات والجور، وهذا من صميم عقيدتنا وليس ضربا من خيال وإنه وعدٌ غير مكذوب
نسأل الله أن نوفَّق لنكون له ومعه انصارًا مخلصين ممهّدين باتباع الحقّ ومعرفة أهله والسير معهم على هدى النهج المحمدي الاصيل.
والحمد لله رب العالمين
١٢ذو القعدة١٤٤٣هج
١٢-٦-٢٠٢٢م