رسول حسن نجم||
لايمكن لأي دولة فتية ان تنهض بواقعها الا اذا توفر لها ركنين اساسيين ، الاول إستقرار أمني والثاني إنتخابات نزيهة وشفافة ، وهذا مادعت له المرجعية العليا في أول إنتخابات حرة وشاملة يشهدها العراق بعد ٢٠٠٣. أما ألمشكلة الرئيسية التي كانت تواجه العراقيين هي أنهم لم يألفوا الديمقراطية لأنهم كانوا يرزحون تحت وطأة نظام دموي دكتاتوري لعشرات السنين أتى على الاخضر واليابس ، وكان الحاكم فيه حزب واحد تجسد بعائلة يحكمها فرد يحمل بداخله اختلالات وازمات أًسرية ونفسية وعاطفية منذ نشأته طفلا يتيما ببصمة يهودية الى دخوله بعصابات ادخلته السجن عدة مرات وبجرائم متعددة ومنها ماهو مخل بالشرف ، حتى أصبح القائد الضرورة برعايةٍ انجلوأمريكية ! فما كان منه الا ان صب جام غضبه المضمر على العراق برمته قتلا وهتكا لاخلاقيات الهوية الوطنية والنواميس الانسانية.
وإذا بالعراقيين يتفاجؤون بزوال هذه (القذارة الضرورة) ومجيء عشرات الاحزاب من المنفى ، في مشهد لم يألفوه سابقا ، ولم يعرف الشعب رجالاته.
ومضت الانتخابات برعاية المرجعية العليا وتشكلت أول حكومة عراقية منتخبة بالاقتراع العام السري والمباشر ، على أمل تحديث العراقيون لهذه التجربة الفريدة والنادرة لهم كل أربع سنوات فيشذبوا ويرشقوا احزابهم الى حزبين او ثلاثة احزاب كبيرة ومؤثرة في نهاية المطاف ، فما الذي حدث بعد ذلك؟ تكالبت كل القوى الظلامية على العراق المثخن بجراح الاحتلال المريرة ليتمخض المشهد عن انشقاقات في كل حزب فولدت أحزابا أخرى كانت ثمرتها تشتت اصوات الناخبين بين هذه الأحزاب.
مع ذلك لم يخلو البرلمان من العقلاء الذين استطاعوا لم شتات هذه الاصوات تحت قبته ليشكلوا حكومة عراقية لها ثقلها الواضح في ادارة الدفة ، لكنها أدارت ظهرها لجماهيرها وصمت آذانها لتوجيهات وارشادات المرجعية العليا واهتمت بالشخصيات العشائرية التي فيما بعد اعتمدت عليها كليا مما أفقدها ثقة الجماهير بها.
حتى شهدت الانتخابات الاخيرة ضعفا ملحوظا في الاقبال عليها مع تزايد غير مسبوق من الضغوط والتدخلات الخارجية ، فكانت النتيجة برلمانا مشلولا لايقوى على التغيير المنشود.
وبعد ثمانية أشهر من المجاذبات السياسية وماتخللها من احباط لدى عامة الناس وعدم القدرة من كل الفرقاء السياسيين على تشكيل حكومة بأي صفة كانت بدأوا بقطف اُولى ثمار الانسداد السياسي.
ان اقرار قانون الامن الغذائي بعد إجراء بعض التعديلات عليه والتصويت عليه حتى من قِبل بعض نواب الاطار يعني وضع بديل للموازنة التي لن ترى النور لهذا العام.
كما إن إستقالة الكتلة الصدرية بعد اقرار هذا القانون يعني بقاء الوضع كما هو عليه لهذه السنة ، ويعد بمثابة ميزانية مصغرة لتسيير الامور العامة في حدودها الدنيا للبلاد.
الصمت السياسي الذي أعقب إقرار القانون من كل الاطراف ومن ثم استقالة الكتلة الصدرية ينبيء باستقالات أخرى ستأتي تباعا تمهيدا لحل البرلمان وإجراء إنتخابات جديدة (ان لم يشمل العراق كيسنجر باحداث الشرق الاوسط وآسيا).
أما مانأمله كعراقيين ان تذهب باقي الكتل بتشكيل حكومة قوية تخرج العراق (ان استطاعت) من عنق الزجاجة ولعلنا نبصر النور في نهاية النفق.