حليمة الساعدي ||
ذكرتني هذه اللعبة اللطيفة التي كنا نلعبها في الصغر بحالنا اليوم مع الحكومة والاحزاب.
فكيفيتها ان نخط دائرة على الارض ونضع اصابعنا في وسطها ويقوم من له الدور في اللعب بترديد اسماء حيوانا تطير واخرى لا تطير فمن يرفع يده عند سماعه اسم حيوان غير طائر فأنه يخرج من الدائرة يجر اذيال الفشل. كنا جميعنا نركز على اصبع الشخص الذي يدير اللعبة مع اننا نعلم انه مخادع فهو يرفع يده ملوحا الى الاعلى عندما يقول طارت البقرة او طار الفيل وهو يعلم انها دواب لا تملك اجنحة لكنه اعتمد بفطرته العلمية ان للعقل الجمعي تأثير على عقول الباقين وكان يحقق نجاحا ملفتا عندما نرفع اغلبنا الايدي لفوق انقياداً لفعله، فنخسر اللعبة ونهجم عليه قائلين لقد خدعتنا فيضحك ويقول "الخدعة اساس اللعبة" .
ذكرتني هذه اللعبة التي تعتمد على الخداع ويتحكم بها العقل الجمعي بما يحدث اليوم من تصرفات الاحزاب السياسية الذين لم ينفكّوا يخدعون الشعب بوعود كبيرة وكثيرة وتحقيق احلام طالما دغدغت ارواح المواطنين واصبحت شبه المستحيلة مع انها بسيطة ودستورية وحق مشروع لكل انسان لا بل انها امور نجدها موجودة ومحققة في افقر البلدان واكثرها تخلف لانها سهلة وبسيطة وغير مكلفة. لكن الانسان في وطني محروم منها.
المشكلة انه اعتاد على تقبل لعبة الخداع ومستمر بمنح الثقة لمن يخدعونه مع انه يعلم انهم نفس الوجوه ونفس الاحزاب لكن الانسان لا يستغني عن الامل ولا يتوقف عن الاحلام الوردية.. لذلك فأن الحكومة التي هي مجموعة احزاب تقاسمت السلطة؛ لو انها لوحت مجرد تلويح بتنفيذها مشروع ما فهذا الامر يبعث في قلوبنا السعادة ويجدد الامل و لكونها تعودت على لعبة "اطلاق الفيلة في الجو" فانها تمطرنا يوميا الاف المشاريع الاصلاحية والخدمية والصناعية والزراعية وهي مجرد اوراق يلوثها حبر الكذب وتطيرها رياح الفساد في سماء الخديعة.
والشعب مستمر بالتصديق وعندما ياتيه خبر ايقاف المشروع الفلاني بسبب الفساد والاختلاسات فانه يطرق برأسه حزينا لبرهة من الزمن ويتنهد الحسرة
على حلم اخر طار بجناحين احدهما الفساد الاداري والثاني الفساد الاخلاقي.
الاحزاب اكدت على انها تجيد هذه اللعبة باحترافية ففي كل دورة انتخابية تعمل على ان تستدرجنا جميعا في لعبة السيطرة على العقول ومصادرة الارادة الشخصية والاستسلام لموجة جارفة تاخذنا بالاتجاه الذي تريده هي لا الذي نريده نحن وهكذا نعود مرة اخرى فنرفع لها الايدي حتى وان كان الطائر جملاً او ثوراً فنحن نصدق بها ونقول ربما هذه المرة التي يطيرر فيها الجمل والفيل والثور ونصبح من الدول المتقدمه والمرفهة وتستمر اللعبة وتستمر الدواب بالطيران بل انها تكاد تصدق نفسها فتصعد في تنافس مع الصقور والنسور في السماء الى ان تنتهي اللعبة وينكشف الخداع فتسقط الفيلة والثيران والابقار وجميع الدواب التي طيرتها الاحزاب وصدقناها نحن بسبب رغبتنا في تحقيق الحلم، تسقط جميعها على رؤسنا فيموت من يموت وينجو من ينجو إما مختلا عقليا او به كسر لا ينجبر. نعم فكل الكسور تنجبر الا كسر الخواطر لأنه يكسر القلوب والارواح
https://telegram.me/buratha