عبد الزهرة البياتي ||
تابعتُ كما غيري من ملايين العراقيين الحوار الذي اجرتهُ قناة الشرقية مع وزير الصحة العراقي الاسبق المستقيل (جعفر صادق علاوي ) وبثّتهُ في نشرتها الاخبارية الرئيسة في الساعة العاشرة من ليلة يوم الخميس الماضي التاسع من حزيران الحالي (2022) لما تضمنهُ الحوار من قضايا جوهرية ونقاطا مهمة أثارها من استقال من منصبه بعد فترة وجيزة من الزمن لأسباب قاهرة ابّان حكومة رئيس الوزاء السابق السيد (عادل عبد المهدي ) الذي استقال ايضا على خلفية الفتنة التي شهدها العراق يومذاك وسميت بـ (ثورة تشرين )
وكان من نتائجها وتداعياتها اسقاط الحكومة السابقة والمجيء بحكومة اخرى تولّى رئاستها السيد (مصطفى الكاظمي ) والتي تحوّلت الان الى حكومة تصريف اعمال بعد اجراء الانتخابات التشريعية في العاشر من شهر تشرين الاول (2021) وتم انتخاب مجلس نواب جديد في دورته الخامسة.. لكن باقي الاستحقاقات لم تتحقق بعد، وفي المقدمة منها انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء الذي من شأنه ان يتولى تشكيل الحكومة الجديدة لكن «الانسداد السياسي» الناجم اصلاً من مخرجات سياسة (المغانم والتحاصّص والتوافق) قد حال دون تشكيل حكومة جديدة تأخذُ على عاتقها قيادة البلاد الى مرحلة جديدة حيثُ يتطلع الشعب الى البناء والاعمار والخدمات الاساسية في كل منحى من مناحي الحياة، الاقتصادية والتربوية والصحية والاجتماعية وغيرها مما تطول به القائمة ..
المهم نعود الى «سالفتنه» كما يقولون حيث كشف السيد وزير الصحة المستقيل (جعفر صادق علاوي ) وهو من مواليد (1947) وتخرّج في كلية الطب بجامعة بغداد (1971) ليعمل طبيباً في المستشفيات العراقية ثم ليأخذ طريقهُ الى خارج العراق ليحطّ رحالهُ في مستشفيات بريطانية تارة وأمريكية تارة أخرى وبالمحصلة النهائية فهو اليوم (طبيب وخبير وتدريسي ).. قاد وزارة الصحة في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد وواجه تحديات جمّة على اكثر من صعيد فهناك ( 1000) مستشفى موزعة على امتداد خارطة العراق من الموصل الى البصرة تعاني من الاهمال وهي باختصار شديد، والكلام للسيد علاوي طبعاً، مستشفيات (تعبانة ومنهوبة وخربة ) وليس هناك سيطرة ولا صيانة بعد ان كان العراق متصدّراً الدول العربية في القطاع الطبي وكان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الاسبق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله ) يتلقى العلاج في احد مستشفيات البصرة في العقود الماضية ..
فيا للمفارقة !! .
ويقول علاوي انهُ في العاصمة البريطانية لندن توجد مستشفيات اعمارها تتراوح ما بين (200-300)سنة لكنها شغّالة لأنها تخضع لصيانة دورية اما عندنا فإن الامر مختلفٌ فلا وجود لمفهوم الصيانة اصلاً وإن التراكمات الادارية والتدريبية أدت الى تراجع التصنيف الطبي ويتذكّر الرجل إن في زمنه مات (طبيب وممرّض ) (رحمهما الله) بسبب مصعد متهالك في احد المستشفيات الحكومية وهناك تباطؤ وتلكؤ في انجاز العشرات من المستشفيات التي انشأت ما بعد (2003) من خلال التعاقد مع شركات المانية وتركية واسترالية لكن نسبة الانجاز فيها لا ترقى الى المستوى المطلوب وظلت مجرد اشباح تعوي بها الذئاب!!.
ويؤكد الوزير المستقيل انه رغم حجم التحديات والتعقيدات وقلة الامكانيات وتشابك الاحداث والتدخلات الحزبية من هذا وذاك استطاع ان يحقق نجاحا ملموسا يعتد به حيث أقال عددا من المدراء العامين واغلق العديد من الصيدليات المخالفة وعقد اتفاقية مع الصين اثمرت عن انشاء (22) مختبرا خاصاً بفايروس كورونا وتحليلات (بي .ار.سي) والحصول على مساعدات مالية من دولة الكويت بحدود (9) ملايين دولار تم دفعها الى منظمة الصحة العالمية كما تبرعت الولايات المتحدة الامريكية هي الاخرى بمساعدات في هذا الاتجاه فضلا عن المبالغ التي تبرعت بها البنوك العراقية ..
ومن قصة نجاح علاوي ايضا تصديه للنواب ممن أرادوا تحويل وزارة الصحة الى (كوفي شوب) او (چايخانة) يدخلونها متى أرادوا ومتى شاءوا (خرّي مرّي) وكل يبحث عن مصلحته ومغانمه وليس عن العراقي , المريض !!
وكان لصرامة الوزير اثرها في الحد من محاولة بعض السياسيين ليّ ذراعه وتحويله الى أداة لتنفيذ رغباتهم. كما عمل الرجل على تحقيق مشاريع طموحة وخطط استراتيجية موضوعة وفق رؤى مستقبلية للنهوض بواقع القطاع الصحي العراقي من القعر الذي هو فيه ليضعه على مسار السكة الصحيح ومنها خطط تدريب الاطباء وامتحانات الترقية وتقويمهم وزيادة خبراتهم من خلال التلاقح مع الخبرات الاجنبية وغيرها لكن تلك المشاريع ظلت موجودة الآن وهي تنام في « قاصة» وزارة الصحة بأمن واطمئنان !!
ويؤكد علاوي بأن التدخلات السياسية دمرت قطاع الصحة وان اي وزارة منتجة لا يتحقق لها ذلك طالما هي تحت رحمة وسطوة الاحزاب ومن هنا فإنهُ اي علاوي في حال عُرض عليه استيزار وزارة الصحة ثانية فإنه لن يكون مستعدا لخدمة حزب وخذلانُ شعب تعداده (40) مليون نسمة وهو يرفض العمل لحزب بل لمؤسسة ولأجل شعب طالع من أتون حروب ومآسٍ وتمنّى من قلبه على اي رئيس وزراء مقبل الا تكون الوزارات دكاكين لتمويل الاحزاب السياسية ومؤتمرة بايعازات منها ولابد من العودة للتخطيط الاستراتيجي بمدياته القريبة والمتوسطة والبعيدة وان يكون الشعار (الصحة تاج على رؤوس العراقيين) وهو شعار لا يتحقق الا اذا كانت الوزارة ممهورة باسم الشعب وتعمل لأجله وتسعى لخدمته لا لخدمة طبقات متنفذة ..
ولم ينس الوزير ان يُشير الى مشكلة «الفصل العشائري» التي لا توجد في اي بلد في العالم الا في العراق وهذه الظاهرة كانت سببا في هروب جميع الاطباء من احد المستشفيات الحكومية في احدى محافظاتنا الجنوبية في زمنه وان الحل يكمن في ايجاد قانون للتأمين الصحي للطبيب والمريض على حد سواء يحميه في حالة الخطأ لان الطبيب بشر وغير معصوم من الخطأ كما لم ينس ان يُشيد بالطاقات الطبية العراقية التي عملت كالاسود في ظل جائحة كورونا وكانت تؤدي واجباتها رغم الامكانيات الفقيرة جداً ورغم التحديات ..
وأثار الوزير قضية تصنيع الادوية محلياً مؤكداً ان العراق يستطيعُ تصنيع (40%) من احتياجاته من الدواء ولكن عمد البعض على تخريب مصانع ادويتنا وهي الافضل في الشرق الاوسط ولأجله كما يقول علاوي تم استدعاء كافة مصانع الادوية في العراق والبالغ عددها (37) شركة حيثُ الغيت عنها الضرائب والرسوم على المواد الاولية المستوردة وطلب منها الاستعجال لتفعيل خطوط الانتاج ..
اما انا فأقول ما احوجنا لخبرات هذا الطبيب الشجاع الذي لم يغرّهُ المنصب يوماً ولم يرضخ لأهواء وأمزجة ساسة فشلوا في تحويله الى مجرد بيدق على رقعة الشطرنج لأنه معتد بمهنيته واخلاصه لعمله وإيمانه بأن الشعب اولاً وإن خدمتهُ واجب.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha