حسن الربيعي ||
مساكم الله بالخير..
يلاحظ المتتبع لتأريخ البشرية، أن الإنسان يميل غالباً للاستبداد، فالحكام يستبدون بآرائهم ويسعون للاستئثار بالحكم والقبض على مقاليده بكل ما أوتوا من قوة، ويعملون على تجهيل المجتمع، وتغييب وعيه، وصناعة المشكلات الاجتماعية لإلهاء الشعوب وتسهيل السيطرة عليها، وعندما تضعف شرعية القوى السياسية الحاكمة تبحث عن طرق أخرى لتعزيز هيمنتها، بالركون إلى دعوات التخويف الطائفية، أو العرقية، أو الدينية، أو الأيديولوجية، وغيرها، بما يعزز استمرارها في الحكم على الرغم من فشلها في الانجاز. وعندما تطول حقب الاستبداد تتولد لدى الشعوب (القابلية للاستبداد)، وبذلك يسهل على الحكام استعبادها ونهب ثرواتها.
والشعب العراقي ليس ببعيد عن نمطية الاستبداد؛ فقد مرت عليه حقب زمنية طويلة، ومتعددة من التسلط والطغيان، ما أحدث فجوة كبيرة بين أبناء الشعب، والطبقات الحاكمة، فكلما انتهينا من طاغية تلاقفنا مستبد، وبين هذا وذاك (صبّت علينا مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا)، على حد القول المنسوب لسيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام، فبعد نهاية فترة الحكم المظلمة، والتخلص من ظلم الطاغية المقبور صدام عليه لعائن الله، سارعت الكثير من الجماهير، والجماعات بحثاً عن مستبد يحكمهم، ومهدوا له الطريق لتجهيلهم، والاستخفاف بهم؛ لأنهم لم يتخلصوا بعد من (القابلية للاستبداد)، التي تغشي البصيرة، وتخلط الحق بالباطل، وتجعل الناس يسعون إلى العبودية باختيارهم، ويتلذذون باستعبادهم، بل ويتفاخرون بهذه الصفة (الذميمة)، ويبتهجون بتقديمهم ولاء الطاعة (لقائدهم الضرورة)، ويتراقصون على أنغام (هلا بيك هلا)، أو (علي وياك علي)، ولا نستبعد وصولهم الى مرحلة (يا حوم اتبع لو جرينا)، لذا يتوجب على النخب الواعية الإسراع بالتخلّص من (الآلهة الكاذبة)، باستنهاض موانع الاستبداد، وتعزيز المناعة الشعبية ضد المستبدين، والارتقاء بالشخصية العراقية، وتعزيز هويتها الثقافية، وقيمها الأصيلة، ونشر الوعي والبصيرة، وتنمية الإرادة، ورفض التجهيل والوصاية؛ لتأهيل تيارات جماهيرية ضاغطة، وتحريك الرأي العام؛ لمقاومة الاستبداد، والضغط على الطبقة السياسية، والمستبدين من القادة، وعلى مؤسسات الدولة؛ لتقوم بواجبها، وتقديم الخدمات، ورعاية حقوق الناس، وحفظ كرامتهم، والا فلا مقام لهم فيها، فنحن شعب الحضارات، (اخدمونا، أو ارحلوا).
*سلسلة نقدية
https://telegram.me/buratha