حررهما : مجيد الطائي ||
الحكاية الأولى ـ حكاية الدينار الضائع
كان يامكان ... في ازقة بغداد القديمة صبيٌّ يبكي بكاءً شديداً ويبحث فيما حوله عن شيءٍ ضاع منه , ولم يلبث كثيراً حتى مر بجانبه مستطرقٌ عليه سمات المحسنين أنتبه اليه وسأله:
مايبكيك يابُني
أجابه :ضيعت هنا الدينار الذي أعطتنيه أمي لأشتري الخبز من خباز المحلة.
هنا قال له الرجل بحنان : لاتهتم يابُني هذا دينار بدل دينارك الضائع
طار الطفل فرحاً وشكره وسأل الله أن يكثر من أمثاله ....
بعد ساعة عاد الرجل الى نفس الطريق ومر بنفس الطفل فوجده يبحث في نفس المكان
وسأله :عم تبحث يابني
قال: أبحث عن ديناري الضائع
قال: أما أعطيتك بدله ديناراً
قال: بلى , ورحم الله والديك ولكني لو وجدت الدينار الضائع لصار عندي ديناران !!
ــــــــــــ
الحكاية الثانية : حكاية الفعل { أكل}
يحكى أن .... الجريدة الرسمية نشرت إعلاناً عن وظيفة شاغرة في الدائرة الرسمية الكذائية التي تبحث عن محاسب كفوء تتوفر فيه كل شروط القبول من شهادات وخبرة في هذا المجال وفوق هذا وذاك لابد أن يتمتع بحسن السيرة والسلوك .
تقدمت الطلبات تترى وحان يوم المقابلة والإمتحان واليوم يكرم المرء أو يهان لأن المدير العام بنفسه سيختبر أهلية مقدمي الطلبات.
جاء المدير بمظهر وكأنه هو الذي يهب الناس الحياة وفوق رأسه لوحة مكتبوب عليها { وإستقم كما أُمرت}
كان يسألهم عن المؤهلات وعن الخبرة وأخيراً يقول للمتقدمين عندي سؤال نحوي قد يكون هامشياً لكنه يدلني على الفطنة و اللباقة في التعامل
والسؤال ؛ صرّف لي الفعل { أكل }
أكل , يأكل ,كل , أنا آكل , أنت تأكل , هو يأكل ..... الخ
ثم سأل أمثلهم أنت بهذه المواصفات واللياقة والشهادات العليا وكل المؤهلات , لم تركت عملك في مكانك السابق وهو منصب مرموق
قال له بعفوية لأنني كشفت حالات من الفساد ولم يكن بوسعي معالجتها فقدمت إستقالتي ولحسن حظي أنها قبلت فوراً قبل أن يُزِلَّني الشيطان وأتيهُ في ظلمات المال الحرام
وفي ختام مقابلة كل واحد منهم كان يقول لهم : سيصلكم جوابنا بعد المشاورة والتدقيق ..... يمكنكم الإنصراف
حتى جاء دور أحد المتقدمين وكان تبدو عليه آثار النفاق والتملق جلية للعيان وكأنه همّاز لمّاز مشاء بنميم عتلّ بعد ذلك زنيم , وقد سمع منهم خلال ذلك عن الفعل أكل وتصريفه
وعند باب المدير رفع صوته ببيتين من الشعر القديم لمدح سعادة المدير وأردفها بهوستين عراقيتين نفش بهما ريش المدير وشمخ بأنفه
قال له المدير: تفضل إجلس وحدثني عن مؤهلاتك و .....
قال له : أستاذنا كما لايخفى على سيادتكم أن كل المؤهلات موجودة لكنها لاتساوي شيئاَ أمام إرشادات سيادتكم الحكيمة وأنا كلي اذان صاغية لما تأمروننا به وسأكون دائماً عند حسن ظن سيادتكم بالطاعة المطلقة
اذن بقي عندي سؤال نحوي قد يكون هامشياً لكنه يدلني على الفطنة و اللباقة في التعامل وأظنك ستعطيني الجواب الصحيح
صّرف لي الفعل { أكل }
اجابه : أنا آكل .. أنت تأكل
أنت تأكل ... أنت تأكل
نحن نأكل ... أنت تأكل
هو يأكل ... أنت تأكل
هي تأكل ... أنت تأكل
هما يأكلان ... أنت تأكل
هن يأكلن .... أنت تأكل
هم يأكلون ... أنت تأكل
عندها ضحك المدير بقهقهات المنتصر وقاله له أحسنت أنت تملك المؤهلات التي ستجعلني راضياً عنك إنتظر لتأخذ كتاب التعيين وتستطيع أن تباشر من اليوم
ـــــــــــــــ
تنويه ؛ الحيتان هو من المصطلحات الجديدة التي ظهرت في العراق وهي كثيرة منها العلّاس والصكّاك والقفّاص والمحوسم وهي في الحقيقة تلطيف لعناوين القاتل والمجرم والسارق أما الحيتان فهو تعبير عن الذين يبتلعون الأموال بكل ماأوتوا من شيطنة بل إنهم يلتقمون كل شيء حتى لو كان الضحية نبياً من الأنبياء ,