لمى يعرب محمد ||
بيني وبينك عالم آخر مختلف الحضور ومختلف السعادة، يكاد يكون بعيدا جدا ببعد الأرض عن القمر وربما اقرب من الروح للجسد، حنين الزمن وتاريخه ينقله لنا ساعي البريد، وهو يحمل بحقيبته العريقة بعض الكلمات والعبارات الجميلة، مودة ورحمة ورغيف خبز، يسير بها نحو جسر الحياة يلف ويدور من مدينة إلى مدينة، يتعرف على الكثير من الناس، يحمل لهم الابتسامة والفرح، يوصل للمحبين أجمل القصص والذكريات، يطرق أبواب النسيان متجاهلا فيرتعد واقفا يسترجع ذاكرته ويتذكر إن في حقيبته رسالة حاملة نبرة صوت صاحبها ولمسة روحه ، فيها من اللهفة والأشواق ما يكفي عشاق الأرض، يركب عربته ويذهب لبابل المدينة العتيقة، يشكو عشتار ويحكي لها يخرج من حقيبته لوح من الطين المفخور ذات حروف مسمارية، يحوي خاتما وقلبا و رغيفا اسمر، أما الخاتم فهو دائرة مفرغة لا بداية ولا نهاية له من الحب والارتباط المقدس، والقلب هو مركز نبضات الرحمة غير المشروطة بشرط تهوى الفطرة وتعشق الجمال، والرغيف الأسمر وفاء الأطراف وإخلاصهم وغذاء الاستمرارية لهذا الطريق ومادة بناءه.
علق الساعي لوحي الطيني عند بوابة المدينة العتيقة بجهة الشمال قرب قلب عشتار، ليكون جزءا لا يتجزأ من تاريخ مدينتي، وامتطى عربته وذهب ليكمل مهمته، غاب هو و جوابه ولم اعرف منه سوى احتضان عشتار لي بصمت وروية، هل يجوز لساعي البريد ان يترك رسالتي ويمضي دون تمهل؟!..
نعم انه فعل ما بوسعه عندما علقها بمدينتي العتيقة، لم يكن الذنب ذنبه عندما سقطت سهوا فقلب عشتار يحمل الكثير بداخله وحتما لم تر رسالتي، تبدلت الأعوام والسنين وأطاحت بساعي البريد النبيل وذهب مع رسائله بمهب الريح، بقيت عشتار ولغزها المتجدد يحاكي مختلف العصور "أنا العقل وأنا الكلمة وأنا الصمت وأنا الصوت وحدي أكون ولا أحد يحكم علي"، وما بين رحلة ساعي البريد الطويلة وجدلية عشتار بقيت رسالتي قيد الإجابة!!..