انتصار حميد ||
بكلمتين: هو الإنسان المهتم, بشكل شخصي ومباشر, بقضايا الشأن العام.
لماذا نقول ذلك؟! لأنني أعتقد أن تحريك مفهوم "المثقف" والدفع به إلى منطقة " الوظيفة", سيجعلنا على مسافةٍ قريبة من أفضل تعريف, وبالتالي فإننا سنتفق على "المعنى" حين نطلق على أحدهم صفة المثقف.
على سبيل التوضيح: ماهو المطلوب من أي مهندس؟ بالدرجة الأولى أن يكون مبدعاً في تخصصه الهندسي, فإذا قرر أن يتفرغ لقضايا الشأن العام, مع إهمال اختصاصه المهني, فإنه سيصبح " مثقفاً" (وظيفته الجديدة), إلا أنه لم يعد مهندساً.
أما إذا أكتفى بعمله الوظيفي وأبدع فيه ولكن دون أن تصدر منه كلمة واحدة حتى لو أحترق العالم من حوله, فهو مهندس لامع ولكنهُ ليس مثقفاً.
ومن حرص على التميز في" هندسته" والحضور ب"كلمته الشخصية الأصلية" حول حركة الواقع الاجتماعي والسياسي, فذلك هو المهندس المثقف. وهذا ينطبق على الطبيب, والمعلم, والجندي, والتاجر, والبقال, الخ....
من أحتجز نفسه داخل القراءة, وألتهم من الكتب أكثر مما فعل أدواردو غاليانو, دون أن يكلف نفسه عناء فتح نافذة صغيرة تطل على الحياة, فهو "قارئ", وليس مثقفاً.
على مقربة من هذه الرؤية, سيُقال: ما أهمية القراءة إذا كان الاهتمام بالشأن العام قد تصدر المشهد؟ الإجابة فورية: كل مثقف يختلف عن الآخر, حين يتعلق الأمر بمراقبة ذلك الشأن العام وفهمه وتحليله والحكم عليه وتحديد درجة التفاعل معه, في قوة البصيرة ومستوى النباهة والعمق, ومن المؤكد أن حجم ونوعية القراءة يتدخلان في هذه الأمور.
بناءً على ما تقدم سيتبخر أي إستغراب حين نسمع عبارات من قبيل: "هذا الطبيب ليس مثقفاً, أو هذا الشاعر لا علاقة له البتة بالثقافة, أو هذا تاجر عظيم إلا أنه ليس من المثقفين".
ليست القضية أن تكون مع من ضد من, لا نتحدث عن لعبة مطابقة وإختلاف, ولا هي مسألة رياضية: كم ساعة تتحدث وكم من الوقت ستصمت حين تجد ذلك ضرورياً, جذر الموضوع أن تكون معنياً, بصدقٍ وبلا تزوير, بالسياسي والاجتماعي والثقافي والإقتصادي, الذي يتحكم بالناس, وأن تتحدث بصوتٍ عالٍ ومسموع.