أ.م.د. علي زناد كلش البيضاني ||
تتشكل محددات القيادتين ( النبوة ـ الإمامة ) من منبع واحد ألا وهي السماء ، والبحث في الأصول التأسيسية للمعرفة الانسانية يُرشدنا إلى الدور الكبير الذي قدمته النبوات والإمامة للمجتمعات ، بالرغم من وجود تصورات مغلوطة تتهم الأصالة بالجمود السكوني ( الاستاتيكي ) وتحويلها تحدياً للواقع تلقي باللون الأسود على عبارات الحقيقة للتعمية والتضليل بينما المنطق العقلي يُقرّر إن تلك الأصالة تؤسس لرؤية مستقبلية في الإطار الديناميكي المُتحرك المواكب للتطورات الزمكانية، لأن النبوة والإمامة تمثلان منظومتان حركيتان تحملان مهام التبليغ النظري والتطبيق العملي في إطار التفاعل الإيجابي للشريعة لتصبح جزء لا يتجزء من المنظومة النفسية والمعرفية للفرد والمجتمع على حد سواء ، وبما إن واحدة من مهام النبوة والإمامة هي إثارة دفائن العقول للناس وتُفتّح عقلياتهم إزاء النشاطات المعرفية المختلفة ، لذا فأن الوصول بالإنسان إلى المعرفة الكُليّة يخضع لعملية معرفية تراكمية تتفاعل مع تطور الحاجات الفردية والاجتماعية مما يؤسس لوعي معرفي ينقل الافراد من حالة السكون الى الانفعال لتحقيق غائية الوجود ، وهذا الترابط متأتِ من سنخية الترابط بين النبوة والإمامة كونها تمثل استمراراً واعياً للرسالة السماوية لأنها من طبيعتها ومن سنخها التكويني لاسيما وأن النبوات جاءت لبيان صورة المعرفة الحقة بلحاظ أن المعرفة تتوقف عند حدود وتخوم العقل، وبتساير طردي نجد كلما ازدادت مدارك العقل كلما تفتحت له ابواب المعارف ، وواحدة من مصاديق السنخية تتمثل في كون الإمام علي (ع) من نفس الرسول ( ص وآله ) في الإطار المنهجي والسلوكي لأن طبيعة المعارف التي للنبوة والإمامة تحمل اصولها حقيقة منشأها السماوي وأنها ليست خاضعة للأهواء أو قابلة للانحراف ، فالتأسيس المعرفي عند الإمام الصادق (ع) بيّنه من خلال قوله لجابر "يا جابر لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله (ص)، وأصول علم عندنا، نتوارثها كابرا عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم" إذ كما إن علم الرسول (ص وآله ) لا يخضع لحالات النفس واضطرابها وشهواتها، وهو الوحي الرسالي، فكذلك العلم الإلهامي للإمام هو ايضاً أصل خالص من الله عزوجل الى رسوله وائمة أهل البيت عليهم السلام ، والعجب من الشيخ ابو زهرة في كتابه (الصادق) الذي حاول فيه تفنيد قضية الوحي الإلهامي عند الائمة الاثني عشر متجاهلاً ان الله يذكر في كتابه العزيز إنه أوحى إلى أشياء أقل شأناً من الأئمة (ع) بل لا يمكن قياسها بهم مثل النحل، وإلى النمل وإلى أم موسى (ع) وحواريي عيسى (ع) وعدد كبيرا من الخلق وحياً الهامياً بمعنى المعرفة الحسية بالعلم ، من هنا نخلص إلى وجود تشابه وسنخية في الإطار التكليفي ومنبع الأصل العلمي بين النبوة والإمامة باختلاف طرق التلقي للوحي الإلهي.