فهد الجبوري ||
شهد هذا الاسبوع عقد عدة قمم عالمية وسط أزمات وتوترات سياسية واقتصادية غير مسبوقة يمر بها العالم منذ نهاية حقبة الحرب الباردة اثر انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يشكل قطبا مضادا للقطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة .
ومنذ ذلك الحين ، وبعد بروز نظام القطب الواحد ، حاولت الولايات المتحدة فرض ارادتها على المسرح العالمي ، ومحاربة ومواجهة كل من يقف في طريق سياسات الهيمنة التي اصبحت المنهج الأساسي لواشنطن . وقد شهد العالم عدة أزمات حادة كان سببها الرئيسي هو نظرة واشنطن للعالم من زاوية التبعية لها ، ومن يعارض سياستها ، يتعرض الى العقوبات الشديدة التي أصبحت سلاحا بيد الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد بوش الأب وحتى عهد الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن .
وهناك أمثلة واضحة على تلك السياسات الأمريكية في ايران والعراق والصين وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا وغيرها ، واليوم تقود واشنطن عقوبات شديدة غير مسبوقة على روسيا .
ومن الطبيعي أن يكون لتلك السياسات ردود فعل على المستوى العالمي ، كونها تهدد الأمن والاستقرار والسلم ، وهذا ما نشهده اليوم في منطقة الشرق الأوسط ، وفي أوروبا ، وفي منطقة بحر الصين الجنوبي ، ومناطق اخرى .
في ضوء هذه التطورات ، يبدو أن العالم يسير نحو مواجهة جديدة ، بين محور تقوده الولايات المتحدة ويضم الدول الغربية وحلف الناتو ، ومحور آخر بدأت ملامحه تتشكل ، وهو المحور الذي كان موجودا من قبل ، لكن الأحداث المتسارعة في أوكرانيا وفي أوروبا قد ساهمت في تسريع وتيرته ، وقد تتبلور رؤيته أكثر مع تطور الأحداث ، هذا المحور عماده هو الصين وروسيا و الهند وإيران والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول اخرى في العالم .
وكل محور يسعى لإثبات وجوده ، وترسيخ قواعده واستراتيجيته ، وقد شهدنا خلال الايام الأخيرة انعقاد عدة قمم منها قمة بريكس BRICS التي استضافتها الصين وناقشت قضايا مهمة تدور حول فكرة فتح عهد جديد للتنمية العالمية ، ويضم تحالف BRICS دولا مهمة هي البرازيل ، وروسيا ، والصين ، والهند وجنوب أفريقيا ، وهو مختصر للاقتصاديات الخمس الصاعدة والتي تشكل مجتمعة حوالي ربع الاقتصاد العالمي . وتشكل الصين عماد هذا التكتل الكبير ، ومن أساسياته هو رفض عقلية الحرب الباردة ، حيث دعا الرئيس الصيني الى رفضها والعمل لبناء مجتمع عالمي آمن للجميع .
ويرى مراقبون وباحثون سياسيون أن كتلة بريكس هي نوع من هجوم دبلوماسي مضاد من قبل الصين على محاولة توسيع وتطوير حلف الناتو الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة .
وهذا يراه المراقبون ردة فعل طبيعية على سياسات الهيمنة التي تحاول واشنطن فرضها على الآخرين .
وقد جاءت قمة مجموعة السبع في ألمانيا دليلا واضحا على تلك السياسات ، حيث كان أحد أهدافها هو مواجهة الصين وروسيا من خلال ما وصفه الرئيس الأمريكي " مشروع إعادة بناء عالم أفضل " وتحقيق ما أسماه " شراكة بنى تحتية عالمية " وذلك بهدف مواجهة التأثير المتزايد للصين في العالم الثالث .
حديث الرئيس الأمريكي يحمل نبرة تهديد مبطنة للصين ولغيرها من الدول التي تنتهج طريقا خاصا بها في التنمية والعلاقات الدولية ، وهذا بحد ذاته لايساهم في بناء علاقات تعاون دولية متوازنة مبنية على أساس التنافس الحر الشريف ، كما أنه لايساعد على ارساء قواعد السلم والاستقرار في العالم .
وبعد يومين من قمة مجموعة السبع ، جاءت قمة حلف الناتو في اسبانيا والذي يضم في عضويته ٣٠ دولة ، حيث يسعى الغرب في هذه القمة الى تشكيل جبهة موحدة ضد روسيا ، وتعزيز قدرات الحلف ، وتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة والعتاد ، وتشديد العقوبات على موسكو ، وهذه كلها بطبيعة الحال سوف تواجه بردود فعل قوية من جانب روسيا التي حذرت الغرب من مغبة التدخل العسكري المباشر في الصراع ، وبدلا من محاولة البحث عن مخرج مناسب للازمة في أوكرانيا ، تجد أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لا يريد أن يحل الاستقرار والسلام في أوروبا والعالم . ولايعبأ بالتداعيات الخطيرة للحرب وتأثيراتها الكارثية ليس فقط في أوروبا وإنما في كل ارجاء العالم ، والخاسر الأكبر هي الدول والشعوب الفقيرة التي لا طاقة لها في تحمل النقص الحاد في الغذاء والطاقة كما هو الحال في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض بلدان الشرق الأوسط