كوثر العزاوي ||
بين التأمل والغفلة، عبرتُ بفكري محطاتُ العمر وعثراته ، سارِحة أبحث عن إجابات لتساؤلات عِدة، طالما غازلت بُنيّات أفكاري ، وتنقّلتُ بخفةٍ معها في مَدَيات الدنيا، فتارة تصيب وأخرى تخيب، هنا تخسر، وهناك تربح، وهنا تظنُّ أنَّك بلغتَ ذروة السَّعادة، ثم لم تلبث حتى تشعر وكأنَّ نهاية الوجود بين عينيك، فنسبة البكاء وكمّ الدموع أكثر من الغبطة والسرور، فإذا كل شيء يُنبِئ بزوال وأفول!
{فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون}الشورى٣٦
لذا..فإنَّ الإنسان جُزءٌ مِن الدَّمعة مهمَا ابتسَم، وبعض مِن الحُزن مهما تظاهَر بالسعادة، وكثير مِن القلَق مهما تملَّقَ الإستقرَار، وقرين الخيبة مهما وَثِق بالزمان! وماتلك التقلّبات سوى ذاك الغربال الذي قد لا يبقِي مِن الإنسان سوى أطلال مِن دُمُوع وحَنين وحَكَايَا وكثير من ندم على مافرَّط في جنب الله، وكلما أعادَ قراءة الذِّكرَيَات، يجد بعضًا ذهب منه، إذ كلّ مَن مرَّ به اقتطع جزءا منه ومضى، وإلّا..فماذا يعني أنّك في كل عَقد من عمركَ تجد نفسك وسط أعاصير جَبَّارة،وهزاهز وآلام، وضَعف وتقصير، وقسوة تكاد تُطيح بصرحِك المَشيد الذي شيدتهُ بدمٍ ودمعٍ وكثيرٍ من الآه!! وكلنا يعلم أنَّ فلسفةَ السماء تفترض أن لا نَفشَل ولا نسقط، فيما غريزةُ الإنسان ووحشيَّة أنَاه تعيشُ معركة الطُّموح بعيدًا عن محورِ اللهِ الذي يتعارض والادّعاء والحلم الغضّ الذي يرعاه دون نسبة يباس لعوده مهما واجهَ من جفاف وتصحّرٍ!! ومن هنا..عندما تأتي الصفعة كما الصعقة، كي ترجّ عقل الإنسان وتهزَّ وجدانه لتنتفض الجوانح تتبعها الجوارح في ثورة على النفس الأمّارة، لتذيقها مرارة العقاب في محضر التأديب، علّها تتفكّر وتعتبِر كي تبصر النور توأم الطموح، بعد معاناة الغفلة ووجع السقطة، حتى تتجلى فصول الدرس لمعرفة حقيقة ما تطمح لهُ من فهم حياة الأولياء، حيث كل شيء وكل جهد لابد أن يأتي في امتدادِ حبّ الله، وذكر الله، وطاعة الله ، وكلّ شيء عدا ذلك فهو انصراف عن الله وإدبار عنه يوجب استغفار الله منه!! حقًا من المؤسف جدا أن نغفل ولو للحظة عن ناقوس التنبيهِ الملكوتيّ الذي يَطرق اسماعنا كل يوم عِبر ترانيم زبور آل محمد عليهم السلام في إحدى نغماته :
{اللهم وأستغفرك من كلّ لّذةٍ بغير ذكرك ، ومن كلِّ راحةٍ بغير اُنسك ، ومن كلّ سرورٍ بغير قربك ، ومن كلّ شغلٍ بغير طاعتك}
{أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ، وَأَغْنِنِي وَأَوْسِعْ عَلَىَّ فِي رِزْقِكَ، وَلاَ تَفْتِنِّي بِالنَّظَرِ، وَأَعِزَّنِي، وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ، وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلاَ تُفْسِدْ عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ.
دعاء «مكارم الأخلاق}
وهذه اللحظات النفيسة جدا خسارة الغفلة عنها، وهي بمثابة جرعة اطمئنان تنشّط الروح وتقوى المناعة، عندما يستشعر أحدنا انه في معيّة الله وكنفهِ، وان يمضي بالحياة ومشقّاتها، وهو يعرف يقينًا بأنه في رعاية الله، وانّ تدابيره "عزوجل" لهي اعظم من محاولاتنا وسعينا وتخطيطنا، وانّ التوكّل عليه ومطلق الثقة به وما يكتبه"جلّ شأنه" لهو الخير بعينه، والرضا والسكينة بحد ذاتها{ ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون}
٣٠-ذوالقعدة ١٤٤٣هج
٣٠-٦-٢٠٢٢م