كوثر العزاوي ||
لقد اعتُبِرت زيارة الأربعين هوية المؤمن التي تؤكد الانتماء الحقيقي له للقضية الحسينية، فبالوقت التي تُعدُّ تخليدًا لقضية أبي الأحرار ونهضته، وتعريفًا بالمجزرة التي ارتكبها الأمويين بحقه وبحق كل من كان معه من اهل بيته واصحابه رجالًا ونساءً وأطفالا، وبيانًا لحجم الظلم وهتك الحرمة التي تعرّض لها هذا الإمام العظيم"عليه السلام"وهو ريحانة رسول الإنسانية جمعاء، والتي ماكانت ثورته سوى ثورة ضد الطغيان والفساد والتحريف الذي استشرى في كل مفصل من مفاصل الأمة، مع كل ذلك أنها أي -الزيارة الأربعينية- إنما هي احدى الشعائر المهمة التي جاءت الأحاديث الواردة عن أهل البيت "عليهم السلام" تؤكد مشروعية استحبابها وأنها إحدى العلامات التي تعزز إيمان المؤمن ، كما ورد على لسان الإمام العسكري "عليه السلام" بقوله:
{علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم}
ولعلّ سر عظمتها يكمن في خلودها الذي لا تُدرَك مكنوناته بالعقل البشري، رغم أنّ المشهد الواقعيّ هو الكاشف عن بهاء معالمها لكل حاضرٍ عندما يكون في غمرة تنوّع الوقائع والاحداث ليجد من العجائب شبه المعاجز، ولا يكاد يمرّ يومًا من أيامها دون مشهد أو حدثٍ خارق عن عادة مايجري حينما تشاهد الملايين من الناس بذلك العدد الذي يتجاوز العشرين مليون نسمة في بقعة نورانية محددة وهم في غاية العفوية والتوجّه الصادق الذي يدلّ على عمق العقيدة وعشق الإنتماء!! إذ أنّ ذلك الزخم البشري كفيلًا أن يخلق عقلًا جمعيًا (إيجابيًا مخلِصًا) يذوب به الفرد في الجماعة الصالحة، ليكون حاصل الثمرة {مجتمع صالح متكامل} يتأهل لحمل مسؤولية الإعداد لدولة العدل الإلهي المتحقَّق في هذا العدد، والقابل للزيادة في كل عام حسب مؤشرات الرصد البشري، لتتأكد عندئذ حقيقة العشق في النفوس كما تترسّخ ذات الحقيقة في العقول:أنّ الحسين "عليه السلام" خالد في قلوب شيعته، وأنّ زيارة الأربعين تمثّل أحد أهم الروابط التي تربط قلوب المحبين بإمامهم ليس في العراق وحسب، انما لكل مَن تطأ أقدامه أرض كربلاء ومن كل الطوائف والاديان، فله ما لأهل العراق من الحقوق والحريات، وكلّ موالٍ في العراق مسخَّر في خدمته ليُدرك كل العالم بأن الحسين كان ومايزال الصرخة الهادرة ضد الطغاة والجبابرة، وما هذه الزيارة إلّا إعلانًا عالميًا يعكس مظلومية الحسين الإمام المعصوم "عليه السلام" وأنّه الثورة التي لم ولن تخمد جذوتها مادام في الدهر ظلم وفساد، وأي عقل من اي بلد يحضر تلك المشاهد الجاذبة في كل جزء من كربلاء سرعان مايذوب ويمتزج مع مايشاهد من مظاهر أخوية إيمانية
قدسية، ولها مالها من الدلالات عظيمة الشأن، وأيامها أيام الله، أيام عطاء وجَذب وسخاء وبذل! فلن تبرح عِدّتها حتى تبلغ أعظم آثارها في بناء مجتمع متماسكٍ، همّهُ أن يكون رقمًا في التمهيد والإعداد للظهور المبارك الباسط للعدل والقسط والسلام بقيادة إمامها الموعود الحجة المنتظَر" عجل الله فرجه".
والى محورٍ آخر بأذنه تعالى.
٤-ذوالحجة١٤٤٣هج
٤-٧-٢٠٢٢