نعيم الهاشمي الخفاجي ||
الحج ليس الطواف حول أحجار وإنما هو مؤتمر يجمع كل مسلم قادر على حج بيت الله الحرام، نعم المسلم يطوف على أحجار ويعمل أعمال فعلها أنبياء، لذلك الحج ليس حالة اخترعها الناس، ورب العالمين اقتضت حكمته أن يجعل بيته في منطقة صحراوية وعرة، وحسب قول للإمام علي ع تحدث بها هذا الجهبيز الفيلسوف المتألق فقد وصف الكعبة وصفتها، والحجّ وأسراره،
ـ ألا ترون أنّ الله، سبحانه، اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه، إلى الآخِرين من هذا العالم، بأحجار لا تضرُّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام، الذي جعله للنّاسِ قياماً .
ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق الدنيا مَدَراً، وأضيق بطون الأودية قُطْراً: بين جبال خشنة، ورمال دمِثة، وعيون وَشِلَة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف.
ثمّ أمر آدم عليه السّلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتّى يهزُّوا مناكبهم ذُللاً يهلّلون للهِ حوله، ويَرْمَلون على أقدامهم شُعْثاً غُبْراً له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خَلقِهم، ابتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنّته.
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنّات وأنهار، وسهل وقرار جمَّ الأشجار، دانيَ الثمار، ملتفَّ البُنى، متّصِل القُرى، بين بُرّةٍ سمراء، وروضة خضراء، وأرياف مٌحْدِقة، وعِراصٍ، مُغْدِقة ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صَغُرَ قَدْرُ الجزاء على حسب ضعف البلاء.
ولو كان الأساس المحصول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمُرُّدة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لَخفّف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولَوضعَ مجاهدةَ إبليس عن القلوب، ولنفى معتلَجَ الرَّيب من الناس.
ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المَجاهِد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبّر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم، وليجعلَ ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله، وأسباباً ذللاً لعفوه.
هذا علي بن أبي طالب ع الذي يلومنا به قطعان الوهابية والمغفلين الذين يريدون منا تقديم الإمعة والجاهل والأمي والغبي والجبان عليه، اعطوني شخص بعد رسول الله ص بشجاعة وفصاحة الإمام علي بن أبي طالب ع، تبا وتعسا لمن ناصب العداء إلى علي بن أبي طالب ع وشيعته الافاضل الكرام.
مراسيم الحج يتابعها مئات ملايين الناس وفي مختلف أصقاع العالم، الله عز وجل يقول ولكم في رسول الله أسوة حسنة، لذلك ذكرت كتب السيرة أن رسول الله ص في الحج أعلن أهم بيانين في الدعوة الاسلامية، البيان الأول ارسل ابي بكر إلى مكة في قراءة العشر آيات من سورة براءة وحسب البخاري ومسلم نزل جبرئيل على رسول الله ص وأبلغه الله عز وجل إما أنت يامحمد تذهب لاذاعة بيان براءة من المشركين أو أحد من أهل بيتك يذهب لقراءة البيان فتم تكليف الإمام علي بن ابي طالب ع بهذه المهمة الإلهية، لذلك بعث رسول الله ص الإمام علي ع في طلب أبي بكر، سأله أبي بكر يا علي هل انت تابع أم أمير الحج، قال له أمير للحج بأمر من السماء، والبيان الثاني في خطبة الوداع نزلت آية الولاية وبايع الإمام علي ع في الخلافة وبايعه من حضر بما فيهم أبي بكر وعمر.
التسيس عند السعودية محصور بنقطة واحدة عدم دعم قضية الشعب الفلسطيني وعدم ذكر اسم محتل أرض الشعب الفلسطيني، ياسبحان الله، السعودية تستغل الحج لنشر الوهابية ولو كانت الوهابية في الصومال لبقيت في حدود الصومال فقط، وجود الكعبة ومكة لها عامل مهم وحيوي، على عكس تبني الصومال للحركة الوهابية اكيد تبقى وهابية الصومال ضمن دولة الصومال فقط، الله عز وجل حدد الحج وفق شروط وحرم ومنع قضية الجدال حتى لايكون مكان لاراقة دماء المسلمين ورغم ذلك الوهابية استعملوا الجدال والقسوة والقتل في استهداف الحجاج في مكة.
من الحج تم خطف علماء من دول إسلامية وتم تسليمهم إلى مخابرات دولية، لذلك السعودية هي أول مسيس للحج، نكرر القول أن التسييس من وجهة نظر السعودية عدم الدعوة لنصرة قضايا العرب والمسلمين، أن الحج شعيرة معدودة الأيام ومحددة الزمان والمكان، وأن ضيوف الرحمن ما جاءوا إلا لطلب المغفرة وأداء المناسك بسكينة وطمأنينة، ويتعارف الحجاج فيما بينهم عند اجتماعهم في مكة للتواصل والمعرفة والتزاور ودعم القضايا البينية …..الخ.
السعودية عندما عندما ترفع شعار رفض تسييس الحج فإنها تقصد عدم دعم قضايا العرب والمسلمين وقضية الشعب الفلسطيني، السعودية توزع كتب تكفير الشيعة والمتصوفة في الحج فهل هذا التصرف تصرف لا يهدف إلى قضايا سياسية، مناسك الحج ثابتة منذ 1443 سنة وغير قابلة للنقد والتشكيك.
رغم رفع شعارات الإصلاح بالسعودية لكن لا زالت أصوات مشايخ الوهابية مغالين، النظام في السعودية يصرف مليارات لمنظمة المؤتمر الإسلامي ويرسل نواب من مجلس يحدده الملك اسمه مجلس الشورى ترسلهم السلطات السعودية إلى برلمان الاتحاد الأوروبي للحديث عن الديمقراطية والاعتدال، رئيس منظمة التعاون الإسلامي السعودي د. محمد العيسى يذهب إلى زيارة البرلمان الأوروبي ويتحدث عن لغة الاعتدال لكن لا يوجد إثر للاعتدال على أرض الواقع لدى عشرات آلاف أئمة المساجد والخطباء وشيوخ القنوات الفضائية الوهابية.
الشيخ الدكتور محمد العيسى والذي هو عضو في هيئة كبار العلماء، بلا شك عالم محترم في قومه ومجتمعه وقبيلته، نحن نختلف مع الدكتور العيسى حول عقائد ابن تيمية التكفيرية التي تبيح قتلنا بمجرد كوننا شيعة لا أكثر، الاختلاف ما بين الأديان واتباع الدين والمذهب الواحد بل والعائلة الواحدة أمر طبيعي وعادي وهذه طبيعة البشرية عبر تاريخها منذ خلق الله عز وجل البشر وأنزل آدم ع إلى الأرض، وحتى أصحاب رأي أن الإنسان أصله قرد أو ديناصور منقرض ايضا يؤمنون بوجود الاختلاف ما بين البشر، عندما يذهب الدكتور العيسى لزيارة برلمان الاتحاد الأوروبي للحوار لو كان يؤمن بلغة الحوار والتعايش السلمي لتبقى ذلك بنفسه للتعامل مع مواطنيه السعوديين من غير الوهابية، لإصدار بيان في عدم تكفير الشيعة وقتلهم للتقرب بدمائهم الى الله عز وجل، مهما تقاتلنا وتحاربنا بالنتيجة نحن جميعا سنة ووهابية وشيعة عرب واكراد ومسيح بحاجة إلى أن يحترم بعضنا البعض الآخر والبدء بصفحة بالتعايش السلمي، قضية القتل والذبح لم ولن تنهي اي طرف، لذلك مفتاح السلام هو الحوار لنبذ الخلافات، الكثير عندما يقرأ لي يتصور أنني وحش لايطيق السني والكوردي والمسيحي والايزيدي والصابئي، وفي الحقيقة الغالبية الساحقة من اصدقائي هم سنة بل والكثير منهم وهابية ولدينا أصدقاء كثيرون اكراد ومسيح وصابئة وتركمان وعرب من غالبية الدول العربية، الحمد لله أقيم في مملكة الدنمارك توجد بها جاليات من سبعين دولة من دول العالم،
نحن نريد من الشيخ السعودي الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، عندما يتكلم عن التسامح والتقارب والتعايش، عليه أن يتسامح مع ابن بلده المسلم الشيعي ويرفع الظلم والأذى عنه، احترام مذاهب ابناء الوطن الواحد عامل قوة يمنع ويقطع دابر التدخلات الخارجية، صدام الجرذ لو لم يقتل ملايين الشيعة والاكراد لما سقط نظام حكمه ولما احترق العراق وتعرض للاحتلال والقتل والذبح، في إحدى كلمات العيسى حول مصطلح الإسلاموفوبيا قال بأنه «الخوف من الإسلام والمسلمين والقلق منهم»، اقول إلى الشيخ العيسى لماذا الخوف منهم، ألم يكن الخوف بسبب غزوات تياراتكم الوهابية التكفيرية التي استهدفت التجمعات المدنية في أمريكا وقارة أوروبا بل أصبح كل عمل إجرامي يقع الانظار تتجه نحو الوهابية، قبل ايادم حدثت عملية قتل استهدفت مواطنين في مول تجاري بالدنمارك، كنت اراقب الحدث، لم يتم الإعلان بوقتها عن منفذ الجريمة، كروبات وصفحات وهابية استبشرت خيرا بأن العملية استهدفت حسب وصفهم أعداء الله لكن تبين فيما بعد أن العملية استهدفت اجانب من شخص دنماركي مجنون حسب الاخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام، التعليقات لانصار التيارات الوهابية في لحظة وقوع جريمة كوبنهاكن كانوا مستبشريين خيرا ظنا منهم أن الضحايا مسيحيين أو من اتباع ديانات أخرى، أنا أقيم بالغرب منذ ثلاثة عقود من الزمان، المجتمعات الغربية خليط تضم ناس طيبين وناس سيئين حالهم حال بقية البشر، لكن تحكمهم دساتير مضاف لذلك توجد بيئة مجتمعية ترفض التطرف والتعصب اعدادهم أضعاف اعداد المعتدليين في المجتمعات العربية، نعم هناك قلق لدى الكثير من ابناء المجتمعات الغربية من كثرة وجود مسلمين يؤمنون بالوهابية التكفيرية، توجد أحزاب يمينية متطرفة لكن هذه الأحزاب كانت لديهم عدد من المقاعد قبل ثلاثين سنة أما الآن مقاعد الأحزاب اليمينية تضاعف بسبب إجرام التيارات الوهابية وغزواتهم في عمليات الطعن والدهس والقتل بالساطور والسيف …….الخ التي شهدتها الكثير من المدن في فرنسا وبريطانيا وألمانيا …..الخ.
خطاب الكراهية الوهابية كان ولازال السبب الرئيسي لتنامي الإسلاموفوبيا ضد العرب والمسلمين بالغرب.
علماء ومراجع الشيعة اصدروا فتاوى الى مقلديهم في المجتمعات الغربية بالقول على المسلم الذي يوقع على ورقة الإقامة بالدولة المانحة له أن يحترم ويلتزم بالقوانين السائدة في البلد، السيد علي السيستاني والسيد الحكيم والسيد فضل الله والسيد علي الخامنئي وغيرهم اصدروا فتاوى بالقول إلى مقليديهم على كل من يعيش على أرض دولة أجنبية أن يحترم دستورها وقانونها، نعم مواجهة التعصب الديني لا تتحقق إلا برفض التطرف والإيمان في التعايش السلمي والكف عن تكفير الآخرين والعمل على المساواة والعدالة الاجتماعية.
نختم مقالنا هذا بقصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا، يقول أمير الشعراء،
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينا
ويقول الحمدلله إله العالمينا، ياعباد الله توبوا فهو كهف التائبينا، وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا، واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا، عرض الأمر عليه ورجاه أن يلينا
فأجاب الديك عذرا يا أضل المهتدينا، بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينا، أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا، مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا.
رحم الله الرفيق أحمد شوقي لذلك مخطىء من يعتقد وجود إصلاح في السعودية بظل بقاء فتاوى ابن تيمية تدرس في مدارس الدولة السعودية المدنية والدينية.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل
10/7/2022
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha
