نعيم الهاشمي الخفاجي ||
تاريخ حكام العرب مليء في إرتكاب أبشع الجرائم في قتل البشر بطرق قبيحة ومبتذلة، هؤلاء الطغاة القتلة حكموا في اسم الله عز وجل وبشريعة القرآن ولم يسلم منهم حتى الرسول محمد ص فقد وصل إرهابهم وإجرامهم إلى آل بيته وقتل أبنائه وسبي نسوة رسول الله ص من حفيداته وأحفاده، الذي يقرأ كتب تاريخ العرب يعرف حقيقة أجرام من وصل للسلطة، لكن تتعمد وسائل الإعلام ومشايخ الوهابية على اتباع أساليب بعدم ذكر حالات التشرذم والاقتتال الداخلي بين ابناء خلفاء الجور، وإظهار أن تلك الحقبات الزمنية أنها كانت فترات رخاء وتقدم، ذات مرة كنت عند صديق سني المذهب ولديه شهادة علمية عالية، دار الحديث عن قوة العرب بالدولة العباسية، قلت له يا اخي فترة قوة بني العباس انتهت في موت هارون وصراع المأمون والأمين انتهت الدولة العباسية وأصبح عصر الدويلات التي أصبحت شبه مستقلة ولم يبقى لبني العباس سوى العاصمة بغداد بل وهجروها وانتقلوا إلى سامراء، قال لي أراك حاقد على بني العباس، قلت له لايستحقون أن نحقد عليهم ولكن كتب التاريخ تثبت أن سلطتهم انحسرت، والتفت إليه وقلت له بل أجدادي من قبيلة خفاجة أقاموا إمارة خفاجة التي حكمت بابل والنجف والفرات الأوسط طيلة قرنين من عام ٣٠٠هجري إلى عام ٤٩٩للهجرة إلا أن أسقط امارتنا بني اسد، وكان جدنا أمير خفاجة هو الحاكم والمسيطر بل الخليفة العباسي كان يطلب منه المساعدة، حصن الإخضير لازال شامخا لعاصمة امارتنا الخفاجية إلى يومنا هذا.
نعم التاريخ العربي الإسلامي ممتلئ في أشكال وأنواع القصص والعجائب والغرائب، لايوجد فيه ما يسر بل بغالبيته كان سيء، شيء طبيعي الطغاة في بعض المواقف يعفون عن ضحاياهم وهذا الموقف لايعفي أجرامهم، روت كتب التاريخ عن أحمد بن أبي داؤود القاضي أنه قال، جيء بـ(تميم بن جميل) إلى (المعتصم) أسيراً، وكان قد خرج عليه فما رأيت رجلاً عرض عليه الموت فلم يكترث به، ثم دعا بالسيف والنِّطع، فلما مثل بين يديه نظر إليه المعتصم، فأعجبه حسنه وقده ومشيه إلى الموت غير مكترث، فأطال يفكر فيه ثم كلّمه لينظر أين عقله ولسانه من جماله، فقال، يا تميم إن كان لك عذر فائتِ به.
فقال تميم، أما إذ أذن أمير المؤمنين في الكلام فإني أقول، الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين ولمَّ بك شعث المسلمين، وأخمد بك نار الباطل وأنار بك سبل الحق، إن الذنوب تُخرس الألسنة وتصدع القلوب، وانقطعت الحجة وساء الظن إلا فيك، وهو أشبه بك، وأَلْيق... ثم أنشد يقول، أرى الموت بين السيف والنطع كامناً يلاحظني من حيث ما أتلّفت، وأكثر ظني أنك اليوم قاتلي وأي امرئ بما قضى الله يفلت، ومن ذا الذي يدلي بعذر وحجة وسيف المنايا بين عينيه مصلت، يعزّ على الأوس بن تغلب موقف يسيل عليه السيف فيه ويسكت
وما جزعي من أن أموت وأنني لأعلم أن الموت شيء مؤقت ولكنّ خلفي صبية قد تركتها وأكبادهم من حسرة تتفتت
كأني أراهم حين أُنعى إليهم وقد لطموا حُمر الوجوه وصوّتوا فإن عشت عاشوا في سرور ونعمة أذود الردى عنهم، وإنْ متُّ مُوَّتوا
وقيل: فبكى المعتصم، ثم قال، إن من البيان لسحراً، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. يا تميم كاد والله أن يسبق السيف العذل، قد غفرت لك الهفوة ووهبتك للصبية، ثم عقد له ولاية على عمله، وأعطاه خمسين ألف دينار انتهى.
سجلت كتب التاريخ موقف بطولي إلى بنت الأطرش في مجلس معاوية عليه لعنة الله، قصة عكرشة بنت الأطرش
من ربات الفصاحة، والبلاغة والبيان، وقوة الحجة، هذه السيدة اشتركت في صفين،وحثت الناس على قتال معاوية... معاوية أرسل عليها بعد ان صفى الحكم إليه، دخلت على معاوية، وبيدها عكاز في أسفله زجمسقى، فسلمت عليه بالخلافة وجلست، فقال لها معاوية:يا عكرشة ألآن صرت أميرالمؤمنين؟ قالت: نعم إذ لا عليّ حي، قال، ألست صاحبة الكور المسدول، والوسيط المشدود، والمتقلدة بحمائل السيف، وأنت واقفة بينالصِّفين، يوم صفين تقولين، يا أيها الناس عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذااهتديتم، إنّ الجنة دار لا يرحل عنها من قطنها، ولا يحزن من سكنها، فابتاعوها بدارلا يدوم نعيمها، ولا تنصرم هموهما، كونوا قوماً مستبصرين، إنّ معاوية دلف إليكم بعجم العرب، غلف القلوب، لا يفقهون الإيمان ولا يدرون ما الحكمة، دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إلى الباطل فلبوه، فالله الله عباد الله في دين الله، وإياكم والتواكل، فإنّ في ذلك نقض عروة الإسلام، وإطفاء نور الإيمان، وذهاب السنة، وإظهارالباطل، هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى، قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين، علىبصيرة من دينكم، واصبروا على عزيمتكم، فكأنِِي غداً بكم وقد لقيتم أهل الشام كالحمر الناهقة، والبغال الشحاجة، تضفع ضفع البقر، وتروث روث العتاق.
فقال معاوية، فوالله لو لا قدر الله وما أحب أن يجعل لنا هذا الأمر،لقد كان انكفأ عليّ العسكران، فما حملك ذلك، قالت: يا أميرالمؤمنين إنّ الله قد رد صداقتنا علينا، ورد أموالنا فينا إلا بحقها، وإنا فقدنا ذلك، فما ينعش لنا فقير،ولا يجبر لنا كسير، فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة، واستعمل الظالمين.قال معاوية، يا هذه إنّه تنوبنا أمور هي أولى بنا منكم، من بحور تنبثق، وثغور تنفتق، قالت: يا سبحان الله ما فرض الله لنا فيه ضرراً على غيرنا، ماجعله لنا وهو علام الغيوب.قال معاوية: هيهات يا أهل العراق، نبهكم ابن أبي طالب فلن تطاقوا. ثم أمر لها برد صدقاتها وإنصافها، وردّها مكرمة.
(أعلام النساء 3/ 325. بلاغات النساء / 70. الدر المنثور / 348. العقدالفريد 1/ 297 ـ 298)
بعد هذه القصة فهل معاوية كان رجل سلام أم انه كان مجرم تورط بكل الموبقات والرذائل، لعنه رسول الله محمد ص في مواقف عديدة، خرج على أمام زمانه الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب ع وشق عصا المسلمين وتسبب في قتل عشرات آلاف الصحابة من أصحاب رسول الله ص، غدر باتفاق الصلح وقتل صحابة رسول الله ص منهم حجر بن عدي الكندي واصحابه، رسول الله ص قال يقتل عشرة من أصحابي بوادي حراء في الشام مجموعة من أصحابي تبكي عليهم ملائكة السماء، حجر واصحابه، هذا الحديث روته عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول الله ص.
صدام جرذ العوجة الهالك قتل واعدم الملايين وبدون رحمة، في عام ١٩٩٠ دبر كذبة تعرضه إلى انقلاب وقام في إعدام أكثر من ١٣٦ ضابط وشخصية مدنية بالانقلاب المزعوم واحد أصدقائي كان لواء ركن من اهالي الديوانية عفى عنه صدام المجرم فهل إعفاء صدام المجرم عن هذا الصديق يعني أن صدام الجرذ كان عادل ومحترم …..الخ.
العفو عند المقدرة فعله رسول الله محمد ص عندما دخلت جحافل النصر مكة وشاهد ابو سفيان الذل والإهانة بعينه، وشاهد علي ع يصعد على كتف رسول الله محمد ص ليحطم اصنام قريش، ورغم ذلك رسول الله ص لم يتبع اسلوب الثأر القبلي وعفى عن الطلقاء الجبناء،
نعود لقضية عفو المعتصم عن تميم، نفسه المعتصم اضطهد وسجن أىمة ال البيت عليهم السلام، بل وانتقم من حواشي دار الخلافة وقام في استيراد الأتراك من أفغانستان وطاجكستان إلى العراق وجعل عسكره من الأتراك يقتلون ويغتصبون فقد ذكرت كتب التاريخ
على سبيل المثال في كتاب الحضارة الإسلامية في الشرق في عهد نفوذ الأتراك إلى منتصف القرن الخامس الهجري، الى الدكتور محمد جمال الدين سرور، الباب الأول ص22ــ24 مايلي،
سرعان ما شعر الأتراك بقوتهم، لكنهم أساءوا استعمال هذه القوة؛ فساروا في شوارع بغداد راكبين خيولهم دون أن يعبئوا بالمارة، فتأذي من ذلك أهل بغداد، واجتمع أهل الخير على باب المعتصم وقالوا: إما أن تخرج من بغداد، فإن الناس قد تأذوا بعسكرك، أو نحاربك، وعلى أثرها رحل من بغداد إلى سامراء أو سر من رأى، وايضا يروي الطبري أن المعتصم نفسه في آخر حياته علم ان السلطة باتت في أيادي الأتراك وعبر في أواخر أيامه عن استيائه من الاعتماد عليهم في حديثه مع إِسحاق بن إبراهيم بقوله، نظرت إلى أخي المأمون، وقد اصطنع أربعة أنجبوا، واصطنعت أنا أربعة لم يفلح أحد منهم، قلت، من الذي اصطنعهم أخوك، قال، طاهر بن الحسين، فقد رأيت وسمعت، وعبد الله ابن طاهر فهو الرجل الذي لم ير مثله، وأنت، فأنت والله لا يعتاض السلطان منك أبدًا، وأخوك محمد بن إبراهيم، وأين مثل محمد، وأنا اصطنعت الأفشين، فقد رأيت إلى ما صار أمره، وأشناس ففشل أبيه، وإيتاخ فلا شيء، ووصيف فلا معنى فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين أعزك الله، نظر أخوك إلى الأصول فاستعملها، فأنجبت فروعها، واستعمل أمير المؤمنين فروعًا لم تنجب إذ لا أصول لها، فقال: يا أبا إسحاق لمقاساة ما مربي في طول هذه المدة أسهل على من هذا الجواب.
يوميا أنا متابع جيد للإعلام الخليجي البدوي الوهابي، يتبعون أساليب نقل معلومات مجتزئة لطمر الحقيقة، الاعلام الوهابي والإعلام البعثي الطائفي وجهان لعملة واحدة، في هذه الأيام نقرأ مقالات ومنشورات تمجد حقبة النظام الملكي البائد صنيعة الاستعمار، والعجيب أن من قتل العائلة المالكة عام ١٩٥٨ هم سنة العراق من خلال العقيد المجرم عبدالسلام محمد عارف والنقيب العبوسي الفلوجي، ما يكتبه فيالق إعلام فلول البعث عن العهد الملكي السابق وصل لمرحلة تقديس رجالات العهد الملكي أشبه بتقديسهم إلى معاوية وبسر ويزيد والحجاج بل لاتستغرب أن يصبح نوري السعيد حسب وجهة نظرهم صحابي جليل لا يجوز الطعن به ويصبح الناقد له كافر خارج من ملة الإسلام.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
11/7/2022
https://telegram.me/buratha
