علي حسين الاشرفي||
الأصل في يوم الغدير، هو استحضار يوم الولاية لأمير المؤمنين (ع) للذاكرة الإيمانية على مرّ العصور، وذلك للفائدة المرجوّة من هذا الاستحضار، وهذه البصيرة نجدها في قول الله تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، فالغدير هو يوم من الأيام الإلهية المشهودة، التي نزلت قبله آية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، وبعد أن بلّغ النبي (ص) ما أنزل إليه من الولاية لعلي (عليه السلام)، نزلت آية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، فوجب أن يكون هذا اليوم المحفوف بالآيات العظيمة التي حفرت أهميته في إيمان الإنسان، والذي من دونه يكون الإيمان ناقصاً لا نفع فيه، محل تذكير دائم، وحضور راسخ لتعزيز هذا المفهوم، فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوَلَايَةِ وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْءٍ مَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ يَوْمَ الْغَدِيرِ.
أما ما يظهره المؤمنون من الفرح والسرور، واعتباره عيداً، فإن المؤمن يحدّد فرحه وسروره بما يُنجز من الحق على أرض الواقع، فكلّما أحييت سنّة من سنن الله تعالى، وأميتت بدعة، فيكون ذلك مدعاة لفرح المؤمن، فتحقيق الحق وتنجّزه في الواقع هو نصر إلهي، لأن النصر هو عبارة عن ظهور الحق وتحقّقه، وهو درجات ومقامات، فإن كتاب الله تعالى قال عن غلبة الروم: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ)، لأن في ذلك غلبة لمساحة من الإيمان بالله مقابل الإلحاد والكفر، وأما الغدير وهو يوم الولاية التي اكتمل بها الدين وتمّت به نعمة الرب جل جلاله، فهو أعظم نصر لله تعالى يتحقّق على أرض الواقع، وهو أولى من غيره بأن يُظهر في تجدّد ذكره الفرح والسرور والشكر والامتنان.
ولأنه يوم انتصار النبي الأعظم (ص) بإعلان الولاية، وهي الحجة على أهل العالم، ويفرح به المؤمنون، فإن في المقابل يكون هذا اليوم يوم بؤس وحزن وألم لأبي بكر وعمر ولأتباعهم، وكل من يوجد فيه ذرة حب لهم تراه يتميّز غيظاً بمجرّد ذكر يوم الغدير.
إن من النتائج الخاطئة التي تنتهجها بعض البحوث، هو التعامل مع البحث التاريخي بمنهج خاطئ، فيعتقد البعض أن ذريعة ظهور الاحتفال بعيد الغدير لم تكن سنّة جارية في عهد الأئمة المعصومين (ع)، وبالتالي فإن النتيجة الموهومة التي يخرج بها، هي أن الغدير أمر حادث وطارئ، استحدثته بعض الدول الشيعية لتقوية سلطانها، وهذا منهج مليئ بالمغالطات والثغرات.
إن أهل البيت (ع) قد بيّنوا الكثير من الأحكام وبثّوا تعاليم الدين طيلة حياتهم، إلا أن التطبيق والظهور قد لا يتأتى لهم، أو أنه يكون موجوداً إلا أنه غير ظاهر، أو أنه كان ظاهراً ولكنه لم يصل إلينا، وهكذا تتابع الاحتمالات بسبب الظروف الصعبة التي كانت تحفّ بحياة أهل البيت (ع)، وأبرز مثال على ذلك هي زيارة الإمام الحسين (ع) التي ثبت باليقين ضرورتها وضرورة الإكثار منها لما تحتويه من ثواب عظيم، إلا أن واقع الزيارة كتطبيق للروايات التي كانت تصدر عن أهل البيت (ع)، لم يكن يتحقّق إلا بشكل نسبي، وقد تمرّ عليه أزمان تنحسر كل مظاهر الزيارة بما تحتويه من شعائر مصاحبة، وقد تمرّ أزمان تتاح الفرصة وتقوى العزيمة في المجتمع فتظهر الحشود الزائرة بمصاحبة الشعائر اللصيقة بها.
فإن ظهور احتفالات يوم الغدير على أيد بعض الدول الشيعية، لم يكن تأسيساً لحالة الاحتفال، بل كانت مرحلة تطبيق في واقع اجتمعت فيه الظروف السياسية والاجتماعية، وإن ما يتحدّث عنه البعض من إحياء عيد الغدير في الدولة الفاطمية والصفوية، إنما كان ذلك أن يوم الغدير أصبح بقانون رسمي من الدولة الحاكمة، يوم عيد قد سمحوا وشجّعوا أن تظهر فيه مراسيم الفرح والسرور وسائر أنواع الإحياء الواردة عن أهل البيت (ع) في هذا اليوم.
لقد وردت مجموعة روايات عن أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم) في شأن يوم الغدير، وأنه يوم عيد، ويوم فرح وسرور، ويوم ينبغي أن تظهر فيه الحالة الاحتفالية، ومنها إحياء شعيرة الزيارة لأمير المؤمنين (ع)، ومنها الصدقات وإطعام الطعام، وذكر الله تعالى وحمده.