المقالات

بيعة الغدير، تنصيب أم ترشيح ؟!


الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||   لطالما تعرّض منصب الإمامة والخلافة إلى شد وجذب على مستوى الإثبات والنفي  ولعل هذا ما حدا بأحد كبار مؤرخي الفرق الإسلامية وهو الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل)  ج1 /ص21 أن يقول: "وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة؛ إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة في كل زمان" ،  وبيعة الغدير نالها نصيب من ذلك الخلاف ، والشبهة التي تُثار الأن بعدما عجز الآخر عن تكذيب الواقعة ومحاولة تغييبها ، التجأ إلى طريق آخر ثبت فيه الحادثة لكن بجزئية تشكيكية مفادها إن النبي محمد (ص وآله ) لم يُنصّب الإمام علي (ع) في تلك الواقعة بل رشحه ، ومعنى ذلك وجود أشخاص أخرين هم منافسين بل وبدرجة الإمام (ع) أولاً وسلخ وقطع سماوية الجعل الإلهي للإمامة والخلافة وجعلها بشرية بيد الأمة في امكانية الاختيار ثانياً ، ولنا أن نضع نقاط تُثبت التنصيص على الإمام علي (ع) في واقعة الغدير ولا وجود لما أسموه بالترشيح ومنها : أولاً : تواترت المصادر السنية قبل الشيعية على تأكيد الحادثة وتنصيب الإمام علي (ع) في ذلك اليوم بأمر الله عز وجل ، والذي يريد الاستفاضة والتوسع فليراجع موسوعة الغدير للعلامة الأميني ، وكتاب الغدير في مصادر أهل السنة للمرحوم آية الله الآصفي ( قدس ) . ثانياً : الذي يتتبع كل كلمة قالها رسول الله (ص وآله ) في تلك الحادثة يجد ويتلمّس التنصيب بوضوح إذ نصب الإمام علي (ع) للخلافة بأمر من اللّه سبحانه وتعالى حيث إنّه (ص وآله ) أخبر بولايته (ع) بداعي النصب كما هو مدلول قوله                (ص وآله) : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ولم يعلقها باختيار النّاس، ولو كان ترشيحاً لقال: أيها النّاس أنتم مخيرون في أمركم من بعدي لا أن يقول: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، كما قال ذلك باتفاق الفريقين ، فالتأكيد من خلال الإشارة              ( فهذا ) تعد دليل قاطع على أن النبي (ص وآله ) لم يترك مجالاً لاختيار آخر بل حصره بالإمام علي (ع) . ثالثاً : الوقائع التاريخية التي بين أيدينا اوضحت وافرزت لنا صورة جلية في أن الصحابة كان متسالم عندهم ما حدث في الغدير من تنصيب للإمام (ع) بل ويحتج به الواحد على الثاني بدلالة إجابة أسامة بن زيد على كتاب ابي بكر عندما دعاه لبيعته فكتب له أسامه ما نصه " أما بعد: فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره، ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكرت في آخره أن المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوا بك، فاعلم أني ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين، فلا والله ما رضينا بك ولا وليناك أمرنا، وانظر أن تدفع الحق إلى أهله وتخليهم وأياه، فإنهم أحق به منك، فقد علمت ما كان من قول رسول الله (ص وآله) علي (ع) يوم الغدير، فما طال العهد فتنسى, أنظر بمركزك ولا تخالف فتعصي الله ورسوله وتعصي من استخلفه رسول الله (ص وآله ) عليك وعلى صاحبك" المصدر الطبرسي ، الاحتجاج 1: 224 ، وبمطالعة ما جاء في آخر الكتاب من قبيل (تدفع الحق إلى أهله ، فإنهم أحق به منك ، قول رسول الله (ص وآله) علي (ع) يوم الغدير ، استخلفه رسول الله (ص وآله ) عليك وعلى صاحبك ) كلها دلائل تشير على تنصيب وتحديد للإمام علي (ع) ولم يكن ترشيحاً ولو كان ترشيحاً لرد أبو بكر على كتاب أسامة ، وهذا ما قرره معاوية في كتابه لمحمد بن ابي بكر بقوله له " فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا, وفضله مبرزاً علينا, فلمّا اختار الله لنبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده, وأتمّ له ما وعده, وأظهر دعوته, وأفلج حجّته, وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ ؛ كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره, على ذلك اتفقا واتسقا." المصدر : المسعودي ، مروج الذهب 3 /12 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 / 189 . رابعاً : علّقَ الشيخ المظفر في كتابه ( السقيفة ) ص44 بقوله " فما سمعنا ـ أي رسول الله ( ص وآله ) ـ عنه انه قال يوما: ان الاختيار في تعيين الامام لأهل الحل والعقد، أو انه أمر الامة باختيار الامام بعده، لا تصريحا ولا تلويحا. على ان الدواعي جد متوفرة لنقل مثل هذا القول، والقوة والحول في صدر الاسلام إلى ما بعده في يد من يرتئي هذا الرأي ويدافع عنه، فليس لاحد ان يدعي ان هذا الاثر قد خفي علينا أو امتنع الرواة عن نقله. إذن لم يثبت عن النبي قول وتصريح في هذا الامر من الاتكال على اختيار الامة " ، إذ لا توجد موارد أوردت إيكال الأمر للأمة وحقها في الاختيار من خلال ترشيح عدة شخصيات . خامساً " لنتنزل جدلاً مع الذين يدعون الترشيح لا التنصيب فاتهم أن ترشيح النبي (ص وآله ) هو تنصيب نفسه ، وهذا ما نحتكم فيه إلى القرآن في بيان إلزاميّة قول الرسول ( ص وآله ) على الأمة ووجوب الانقياد له ، ومن هذه الآيات " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا " الاحزاب / 36 ومعنى ذلك لا خيار للأمة في قبال ما يختاره الله ورسوله ، وكذلك الآية " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " الاحزاب / 21 ، فما فعله الرسول في الغدير ألم يكن أسوة لهم فيبصروا ويتثبتوا من اختيار الرسول ( ص وآله ) ، وهل فاتهم أن الرسول ( ص وآله ) " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) " سورة النجم ، فهل كان ترشيح النبي ( ص وآله ) للإمام علي ـ كما هم يفترضون ـ من عنده أم من عند الله ، ألم يكن قول النبي وفعله وتقريره واجب لزوماً بالطاعة والإتباع ، ولنفرض أن النبي ( ص وآله ) رشح الإمام علي (ع) ولم ينصبه ألم يكن النبي (ص وآله ) هو افضل وأعلم المخلوقات في عهده وهو الأعلم بمصلحة الأمة فمن باب أولى ان يكون ترشيحه بمثابة تنصيباً للإمام علي (ع) وإلزاماً لنا ، ترى أين ذهبت آية " وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " سورة الحشر / آية 7 ، هل نسخت أو عُطّلت ، فهذا الوجوب الإلهي في أخذ ما آتانا به النبي ( ص وآله ) وهو ترشيح الإمام علي كما تقولون سيكون وجوباً عليكم الإلتزام به ، وهذا الالتزام لا يخرج عن دائرة التنصيص ، فبهذا يكون الترشيح هو نفسه تنصيب. سادساً : المتبصر في القرآن بوعي وتروي يجد سماوية التبليغ واضحة لا غبار عليها ، لاحظ الآية تؤكد: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ ما هو الداعي إلى التأكيد؟ يعني لو أن الآية هكذا قالت: «يا أيها الرسول بلغ الأمر» أو قالت: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ وتسكت فلم كلمة «من ربك»؟ كل المسلمون يعلمون أن الرسول لا يبلغ إلا أوامر الله تعالى ، فما الداعي إلى أن تقول الآية: «من ربك»؟ فلو قالت: «يا أيها الرسول بلغ» كل الناس يعلمون، يبلغ يعني يبلغ أمرًا نازلا من السماء، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ كل المسلمين يعلمون أن ما انزل عليه فهو من الله، فلماذا الآية تؤكد «من ربك»؟ ما هي ألا لإبطال المدعين بالترشيح البشري وجعله تنصيب إلهي . سابعاً : وإذا كان من ينتمي للمذهب وساير هذه الدعوة وفق رؤية تؤسس لمنهاج عملي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، فنقول التقريب لا يكون على حساب الثوابت لمغازلة الآخر بل يكون التقريب في البحث عن المشتركات وتنضيجها أما القضايا الأساسية والرئيسة التي تشكّل العمود الفقري للمذهب فلا يمكن القبول بالتضحية بها في سبيل جذب الآخر . ثامناً : الكتب السماوية تؤسس وتبين بوضوح على ان خلفاء الله  الذي نصبهم الله ونص عليهم على لسان انبيائه ورسله في الكتب السماوية هم الحكام على هذه الأرض من خلال التعين بالنص ولم نجد اثرا مباشرا او غير مباشر يؤسس لتنصيب الحاكم بالشورى والانتخابات ، فسنة الله لا تتبدل ولا تتحول في تنصيب خلفاء الله في ارضه وان خطفها منهم مدعو العلم ومدعو تمثيل الله في ارضه لكنها – خلافة الله في ارضه – تبقى حقهم وعلى الناس ان يمكّنوهم من ذلك والا كان مصيرهم الذل والهوان لانهم باعوا دينهم بدنيا غيرهم ، وخلافة الإمام علي (ع) تنطبق عليها هذه السنة الإلهية الجارية على امتداد الزمان .  نخلص إلى نتيجة أن ما كان في الغدير هو تنصيب وليس ترشيح ، وحتى من أدعى الترشيح فهو نسي أو تناسى أن ترشيح النبي ( ص وآله ) هو تنصيب بعينه ، لا سيما وأن النبي ( ص وآله ) لم يرشح أحداً معه ، ونعلم في الأدبيات السياسية أن الترشيح لمنصب يكون فيه على الأقل مرشحين اثنيين لكننا لم نعهد في التاريخ أن النبي ( ص وآله ) قد رشّح آخراً ، الأدلة كثيرة ولا نريد الإطالة بقدر ما نثبت نقاط مهمّة .
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك