مازن الولائي ||
عندما يطوف خيالي واركب سفن التحقيق لأقف على مسرح وتراب غدير خم، واستنطق أدواتها وما جرى فيها وعلى مسرحها، الذي أجلّه من أن يكون عبثي أو لعبت به المصادفة، لتلهو في مثل ذلك المكان الذي قررت السماء ليكون مكان اسمه على جبين الخلود.
ولعل كثرة الأدوات التي أستخدمها الخالق على أرضها الغدير سوف تنفي فكرة العبثية والاعتباط! بل سوف يدفعك العقل للبحث عن هدف منطقي لما جرى هناك، حيث الحجيج التي دعيت مع مثل المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم لتكون شاهد، والسؤال إلا يكفي عشرة شهود مثلا؟! أو خمسون شاهد من عينة القوم أو مائة؟! لماذا هذه الدعوة التي دفعت كل من كان قادر على حج وداع مثل النبي الذي عشقوه حد التأله في بعض الأحيان ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران ١٤٤.
حادثة أريد لها أن تخبر ولو من باب فقط أهمية مسرحها المعد عن عظيم خطر، فضلا عن تفاصيل كل مفردة وردت، من نزول جبرائيل، إلى شكل البيعة، الى رفع يد أمير المؤمنين عليه السلام، إلى الخيمة التي نصبت لتبلغ ما كان طارئ واستثنائي تبليغه! أكيد هذه الأهمية ليست لشكل القصة والحادثة التي أريد أن تتناولها الأجيال، ولا لتؤرخ حدث لتكتب فيه الشعراء وتنطلق حناجر الخطباء! لأن ذلك لا يستوجب كل تلك الأدوات وعلى رأسها نزول جبرائيل وبيده قرار يحمل عظيم المعادلة التي تستوجب التأمل والتحقيق والألتفات "بلغ" فعل الامر! ولا تتردد! لأن الله سيعصمك من الناس، قرار متخذ وتطمين لا يحتمل المناقشة والتأخير! بل إذا لم تبلغ كأنك ما بلغت رسالته؟! ماذا جرى في السماء؟! وأي قرار لو تركته الأمة سيطيح بها ويهدد مستقبلها القريب بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم؟!
هنا سنرجع إلى "الهدف" الذي جزما سيحل اللغز، ويرفع عنها هذا الاندهاش الذي أكتنف رحلة حج الوداع، لنعرفه من منطوق الآية الخطيرة ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) المائدة ٦٧ .
كأنه يضع التبليغ عن هذا الأمر الذي هو بيعة الغدير التي منها ستعرف الأمة كل ما مر من تلميح من قبل النبي ولماذا أكثر فيه الأحاديث "علي مني بمنزلة هارون من موسى" (يا محمّد، عليّ خير البشر، ومن أبى فقد كفر).قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو إجتمع النّاس على حبّ عليّ بن أبي طالب لما خلق الله عزّ وجلّ النّار).
وغيرها المئات التي كان يستخدمها النبي لتفهم الأمة بتكرار الحديث عن علي عليه السلام أهميته من الرسول الكريم، ولكن لعظيم قلق السماء سعت إلى مثل مسرح درامي لتحتفظ به الأذهان حتى عمد إلى جعل الشهود بالآلاف مخافة عدم تحمل ما ستقرره الآية وينطق به جبرائيل من امر البيعة. ومع ذلك حدث ما حدث من نكران، وجحود، وتزوير، واتهام، وقتال، وتلاعب أبعد من كانت السماء تريده للخلافة بعد النبي، ومن كان حريص على جعله بعده ليطمئن على دينه بعد الرحيل الوشيك! إذا ليس الحادثة أو أدواتها المطلوبة بقدر ما كان مطلوب هو التحذير من الخروج عن من كان طلب حال خروج روحه اعطوني قرطاس وقلم لأكتب لكم ما أن تمسكتم به...! وهنا نفهم اليوم من مصاديق الخروج المتكرر عن قلاع وحصن علي عليه السلام ماذا يجري له وماذا يصدر منه!؟ كما كل الذين غادروا علي وهم شهود غديره، أو الذين يغادرون اليوم وهم من حملة شعارات دينه دون مضمون!!!
"البصيرة هي ان لا تصبح سهمًا بيد قاتل الحسين يُسَدَّد على دولة الفقيه"
مقال آخر دمتم بنصر ..