محمد علي السلطاني ||
تقوم التحالفات والاصطفافات الدولية على أساس المصالح والمنافع المشتركة بين الدول المتحالفة ، وكلما تنامت وتشابكت تلك المصالح، كلما زادت الرغبة والحاجة الى تكوين تلك التحالفات، لرعاية وديمومة المصالح سواء كانت اقتصادية او سياسية او تهديدات أمنية.
وعلى هذا الأساس ولد عدد لا يحصى من التحالفات والاصطفافات الدولية والسياسية عبر التاريخ بغض النظر عن احقيتها او شرعيتها ، الا إنها تشكل نتيجة لضرورة وقناعة للمشاركين فيها، مثل حلف الناتو وحلف وارسو وحلف مجلس التعاون الخليجي وغيرها كثير ، وبذات الوقت تضعف تلك التحالفات وتضمحل عندما تصبح تلك التحالفات مرهقة او لا تجد الدول مصالحها في الانضمام او البقاء فيها .
في الخامس عشر من شهر تموز الحالي ، دعت السعودية الى عقد مؤتمر جدة، برغبة أمريكية وبضفط من الكيان الصهيوني الغاصب ، وقد كان للقمة أهداف ومشاريع لا تخدم مصالح دول وشعوب المنطقة ، علاوة على مصالح الدول المشاركة ذاتها، التي ابتليت شعوبها بحكومات تدور في فلك التبعية والانقياد للمحور الغربي ، الذي يعيش الأن اضعف حالاته، حيث تكبر وتتعقد ازماته السياسية والاقتصادية والامنية ، مما ينبئ بقرب افول شمس ذلك المعسكر، الذي لم يجلب للشعوب العربية ولدول المنطقة غير المزيد من الحروب والازمات الخانقة.
لقد علقت أميريكا ومن خلفها اسرائيل الأمل على نتائج ومخرجات القمة، عسى ان يكون في جعبة مخرجاته طوق نجاة يسعفهما من مستنقع الازمات الذي بات يهدد وجودهما واستمرار هيمنتهما اكثر من اي وقت مضى . وعلى الرغم من عمالة وتبعية حكومات الدول المشاركة للمحور الغربي، الا ان نتائج القمة كانت صفرية عادت فيها امريكا وإسرائيل بخفي حنين، نتيجة لتغير موازين القوى العالمي، ولبزوغ شمس القطب العالمي الجديد ذي المستقبل الاقتصادي والامني الواعد .
لقد كان لكل من أميركا وإسرائيل رغبات وارادات سعيأ لتحقيقها في جده على حساب مصالح وأمن واستقرار المنطقة والدول المشاركة،
اذ سعت أميركا لحث الدول المشاركة والمنتجة للنفط لزيادة صادراتها النفطية، لتعويض النقص الحاصل في السوق نتيجة الحضر الذي فرضته أميركا على صادرات النفط الروسية، ذلك الحضر الذي القى بضلاله الوخيمة على القارة العجوز، التي ستواجه شتاء قاسيأ قد ينتهي بأنهيارها !!
الا ان هذه الرغبة الأمريكية قوبلت برفض واعتذار الدول المنتجة، لأدراكها ان موازين القوى لم يعد كما كان سابقأ وامريكا اليوم ليست أمريكا الأمس ، وان اي زيادة في كمية التصدير ستثير الروس، وقد تعدها الأخيرة بمثابة اعلان حرب، يواجه من يقدم عليها مصيره بمفرده دون حماية أمريكية، وهذا اول فشل ذريع تجرعته أمريكا في قمة جدة ، لتصفع بعد ذلك اسرائيل باجهاض مشروع حلف الناتو العربي، الذي يأخذ على عاتقة محاربة جمهورية إيران الاسلامية نيابة عن الكيان الغاصب !! اذ اعلنت الإمارات انسحابها ورغبتها بمد جسور التواصل مع جمهورية إيران الاسلامية ذات السياسية والدبلوماسية الخارجية المتزنة، لتلتحق الأردن ومصر بالإمارات بعد أن ادركو جميعاً السياسية الحكيمة والنوايا الحسنة التي ينتهجها النظام الحاكم في إيران،
وان اي إثارة للقلاقل والبلبلة لن ينفع شعوب ودول المنطقة، ولا يخدم غير الكيان الصهيوني الغاصب .
بناء على ماتقدم يمكن أن نستلخص بعض النتائج :
١_ لم تعد امريكا اللاعب الوحيد والاساس في المنطقة، بل على العكس من ذلك بينت القمة حالة الضعف الكبير الذي تعانية أميركا.
٢_ فشل المشروع الإسرائيلي في توريط دول المنطقة بناتو عربي يأخذ على عاتقه الدفاع عن اسرائيل، لادراك الأخيرة ان أميركا اثقلت بالازمات الداخلية والخارجية وان العد التنازلي لمغادرتها المنطقة قد بدأ.
٣_ ادراك الدول العربية ولادة القطب العالمي الجديد متمثلأ بالصين وروسيا وايران وان مصالح الدول العربية مع هذا القطب كبيرة وواسعة ومتشعبة وهي تتسابق لأيجاد موطئ قدم في القطبية الجديدة اساسة الاستقرار وابعاد شبح الحروب عن المنطقة.
٣_نجاح الدبلوماسية الخارجية للجمهورية الاسلامية الإيرانية في الانفتاح الايجابي الهادئ المبنى على ستراتيجيات أمنية واقتصادية طويلة الأمد تهدف الى استقرار المنطقة.
٤_ ادراك اسرائيل نجاح محور المقاومة العالمي مقابل فشلها في إيجاد بدائل حماية بعد رحيل أمريكا من المنطقة.
https://telegram.me/buratha