كوثر العزاوي ||
إنّ حسن الظن بالناس قيمة إيمانية عالية، ولها إيجابياتها كما لها حدودها، بمعنى، أنّ حسن الظنّ إنّما هو عند الاحتمال في مقابل احتمال آخر ، أي إذا حصل العلم يقينًا عند إنسان بشيء سلبيّ قام به الآخر، فعلى الظانّ أن يكون فطنًا بصيرًا في ردّة فعله ضمن الضوابط الشرعيّة، وقد عبَّر عن هذا المطلب أمير المؤمنين "عليه السلام" فيما ورد من قوله: {ضع أمر أخيك على أحسنهِ حتّى يأتيك ما يغلبك منه}
أما إذا غلب على اهل ذلك الزمان الظلم والجور والانحراف عن جادة الاستقامة، هنا ينبغي التحفّظ في قيمة حسن الظنّ للحدّ الذي يصبح حسن الظنّ من السذاجة والسلبيّة في مثل هذه البيئة، وهذا ما أشار إليه الإمام الكاظم "عليه السلام" في الحديث الوارد عنه: {إذا كان الجور أغلب من الحقّ لم يحلّ لأحد أن يظنّ بأحدٍ خيرًا حتّى يُعرف ذلك منه} اي يتبيّن العكس.
ومن هنا نستطيع أن نفهم: إنّ حسن الظنّ لا يشمل الناس الذين يصدر منهم السوء والكبوات باستمرار فضلًا عن العداء، وبالتالي فلاينبغي حسن الظن بأعداء الله تعالى واعداء الانسانية الذين لايؤمَنُ غدرهم مهما أبدَوا من حسن فعل ظاهرٍ مقابل مايغلب عليهم من قبيح الأفعال والأقوال بدليل ما أشار إليه الإمام عليّ{عليه السلام} في عهده لمالك الأشتر لمّا ولاّه مصر قائلًا: {الحذر، كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحهِ، فإنّ العدوّ ربّما قاربَ ليتغفَّل، فخذ بالحزم، واتَّهم في ذلك حسن الظنّ} والدرس المستفاد من بعض ماورد من جواهر الكلم عن ينابيع الحكمة هو:
إنّ حسن الظنّ لا يعني التفريط في التعامل مع الآخرين بثقة مطلقة، ومما يُؤسَف له ماوصل إليه المجتمع اليوم مِن تعلُّق الناس بالذكاء الصناعي إلى درجة أنه بات كل شيء في حياتهم لدرجة الثقة العمياء بل أكثر من ذلك، أنّ الركون إلى نوافذ وسائل التواصل الإلكتروني على اختلاف صوره سواء كان موبايل أو لابتوب أو كمبيوتر أو اي صفة تكنلوجية افتراضية أخرى قد أصبحت مصدر الثقة الاول للناس، حيث الارتباط الوثيق والحضور الفاعل على الفضاء المجازي وتكوين العلاقات والتعارف وبث الخصوصيات والاسرار، مما أثبت نجاح صنّاع الفتن الخطيرة التي تستهدف المنظومة القيَميّة، والأنكى من ذلك
مايخطط له العدو من الهيمنة على العقول والعواطف في استحداث مشروع فتنة الذكاء الصناعي أو مايسمى ب"الروبوت" وهو عبارة عن جسد لا روح فيه يحركه الذكاء الصناعي من خلال عقل الإنسان الذي يتناغم معه ويستعين به كما لو كان انسانًا سويّا.
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}الأنفال٢٥
١٩-ذوالحجة ١٤٤٣هج
١٩-٧-٢٠٢٢م