د. حسين الزيادي ||
ابا الفضل العبـاس بن علي مـن الشخصـيات التـي تركـت بصـمات واضحة على مسيرة الاسـلام بجهـاده وعلومـه ومعارفـه وبكل الاطر الفكرية والعلمية والاجتماعية التـي تبناهـا على الرغم من شهادته في شبابه الا انه استطاع ان يكـون شاخصاً مميزاً وقامة عالية ينحني لها التاريخ اجلالاً ويلثم ذلـك التـراب الذي وطاءته اقدام شهيد عالم بمثل العباس ابن علي وهو الشخصية الثانية بعد الإمام الحسين (عليه السلام) فهو أخوه، وحامل لوائه، والثائر معه ضد الظلم والطغيان، وقد تبوأ العباس مقام خاص دون سائر شهداء معركة الطف، وهذه المنزلة لم تكن لمجرد رابطة الاخوة التي تربطه بالإمام الحسين (عليه السلام)، بل لما هو أهم واعمق من ذلك.
أن أعظمَ معاني الأخوة السامية قد تجسدت في العلاقة بين الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) والتي وصلت إلى مرحلة أن قدم العباس روحه الزكية فداءً وذوداً عن أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وقد يرجعُ أحد ما هذا الفداء إلى الشخصنة ويقول أخ يفدي أخاه، وهو امر لاغبار عليه فقد العباس نعم الأخ والمحامي عن أخيهِ، ولكنَ لهذا الفداء الإنساني العظيم أبعاداً أخرى أوّلها الولاء المطلق الذي أبداه العباس للإمام الحسين (عليه السلام) بوصفه إمامَ زمانِهِ الذي أوجب الله تعالى طاعته واتباعه، في تراث الطفّ نجد فعلاً صوراً تترجم الولاء الحقيقي لسيدنا العباس (عليه السلام، وطالما ردّد أبو الفضل العباس عبارة (يا مولاي) في حديثه مع الإمام الحسين (عليه السلام). فهو لا ينادي يا أخي وإنّما يا مولاي، وبقى (عليه السلام) يردّدها حتّى قدّم روحه على محراب الشهادة فداءً لسيد الشهداء وبذلك فهو أخوه والموالي له ، أما الدافع الآخر للفداء فهو أن أبا الفضل العباس (عليه السلام) عندما كان يقاتل مع الحسين (عليه السلام) ووقف وقفته المشرفة هذه فهو لأنّه كان عارفاً بحقّ الحسين وعظمته وإمامته على الخلق.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) كان عمُنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيدا، وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام ) رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قطعت يداه، فأبدله الله عزّ وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، وإنّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة، وجاء اسمه في زيارة الناحية المقدسة: "السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه.
وكثيرة هي احداث الطف التي تنم عن ثبات العباس ونفاذ بصيرته ، فلمَّا أخذ عبد الله بن حزام ابن خال العباس (عليه السلام) أماناً من ابن زياد للعباس وأخوته من أُمِّه ومنّاه بالجاه والمقام ، فاخذ ابا الفضل يزمجر في وجهه زمجرة الأسد الباسل ، ويزأر على مزاعمه وأباطيله زئير الليث الغضبان ، ويرمي شباكه وخداعه بشرر أنفاسه الغاضبة رمي البركان ، ويصرخ بوجهه معلناً عن كلمته الخالدة ومقالته الشامخة : ألا لعنك الله يا شمر ولعن أمانك ! أتؤمننا وابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا أمان له ؟! وتأمرنا بأن نترك مَنْ خلقنا الله لأجله ، وأن ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟!
لقد كانت الامام الحسين(ع) واخوه العباس علاقة قل نظيرها في تاريخ الانسانية ولم يدفع الإمام الحسين (عليه السلام) بالعباس إلى القتال في أول وقت المعركة، بل تركه إلى أواخر أوقاتها، لان وجود العباس يبعث حالة من الاطمئنان في نفس الحسين فهو الأخ المدافع والمحامي والمناصر.
وبعد أن عبّأ الإمام الحسين (عليه السّلام) أصحابه ، وأعطى الراية أخاه أبا الفضل العبّاس (عليه السّلام) ، دعا براحلته فركبها ، ونادى بصوت عالٍ يسمعه جلّهم ، قائلاً : أيّها الناس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليَّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدّقتم قولي ، وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم عليَّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم فاجمعوا أنفسكم وشركائكم ، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ، ثمّ اقضوا إليّ ولا تُنظرون ، إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين ، فلمّا سمعن النساء هذا من الإمام الحسين (عليه السّلام) صحنَ وبكينَ ، وارتفعت أصواتهنَّ ، فأرسل الإمام الحسين (عليه السّلام) أخاه أبا الفضل العبّاس (عليه السّلام) ، وابنه علي الأكبر (عليه السّلام) ، وقال لهما : سكّتاهنَّ ، فلعمري ليكثر بكائهنَّ .
فأقبلا إليهنَّ وسكّتاهنَّ ، ولمّا سكتنَ واصل الإمام خطبته في الناس ، واستمر في موعظته لهم .
وما كان انتخاب أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) لإسكات النسوة إلاّ لجدارة أبي الفضل العبّاس (عليه السّلام) للقيام بهذه المهمّة، ومكانته المرموقة عند النسوة ، وإيمانهنَّ بنجدته وحمايته ، ودفاعه وذبّه عنهنَّ ؛ ولذلك لما رأينه مقبلاً إليهنَّ سكتنَ اطمئنانا.
عندها تقدم ابو الفضل نحو الحسين، قائلاً: والآن يا ابن رسول الله أما لي من رخصة، قال: اخي عباس أنت حامل لوائي واذا ذهبت يؤول امرنا الى الشتات فمن لي بعدك، قال: أخي اذا كان لا بد اذهب واطلب لهؤلاء الاطفال ماء، فحمل على القوم قائلا:
انا الذي اعرف عند الزمجرة بابن علي المسمى حيدرة.
فما هي تلك الدرجة الإيمانية والمعرفة التي جعلت العباس (عليه السلام) حين قطع يده اليمنى أن يرتجز غير مكترث بالألوف؟ نطق العباس (عليه السلام) هذه جملته الخالدة التي تناقلتها: والله إن قطعتموا يميني، إني أحامي أبداً عن ديني، و عن امام صادق اليقين، نجل النبي الطاهر الأمين، ترك استشهاد العباس مرارة وألماً في قلب الحسين (ع) من يفهم معنى الحزن الذي حل بقلب الحسين حتى انكسر ذلك القلب القدسي الذي ما اتجه الا لله، ولا توجه الا لله، ولا احب ولا ابغض الا في الله، ولا اعطى ولا منع الا لله، فكان الله تعالى عنده حينما انكسر .
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha