الدكتور علي زناد كلش البيضاني ||
من يجول نظره وفكره ويرصد الانتقالات النوعية في التوجهات التأليفية التي اختصت بالإمام الحسين (ع) يجد أن المصادر المتقدمة زمنياً تختلف عن المصادر المتأخرة عنها عنواناً ومحتوى ، مما يؤشر إلى حالة انتقال نوعي في التصورات والمفاهيم والانماط المعرفية التي تشكل ذهنية ووعي الباحث في هذا الصدد ، وهذا الانتقال والتغيير في نمط التأليف يأتي بعد دخول المذهب الشيعي إلى الميدان السياسي ونشاطه التفاعلي مع الآخر وممارسته للحكم مما تطلب البحث والتحليل في زوايا تلك الثورة الخالدة ، فالذي يلاحظ أن التوجه التأليفي القديم كان يغلب عليه الطابع التراجيدي العاطفي وهو المتسيد في ميدان التأليف آنذاك ، ويمكن الاستدلال على ذلك من عنوانات التأليف التي اصطبغت ووسمت بالبُعد العاطفي أكثر من البُعد التحليلي الفلسفي ـ وهذا لا يعني طعناً أو تقليل من قيمة تلك المؤلفات فلكل عصر ظرفه الذي يوجه بوصلة نوعية التأليف ـ فالمؤلفات القديمة التي كتبت عن الإمام الحسين (ع) حملت أسماء مثل ( رياض البكاء ، مبكى العيون ، بحر الدموع ، اللهوف على قتل الطفوف ، مثير الأحزان ، صحيفة الاشجان ، بحر الغموم ، إكليل المصائب ، مجمع المصائب وغيرها كثير ) ، بينما الذي يمسح بيبلوغرافياً لمؤلفات القرن العشرين وخصوصاً في النصف الثاني منه نشهد توجه نشط وفاعل لإعادة قراءة الحركة الحسينية بما ينسجم وتطورات وتغيرات المرحلة من خلال دراسات فلسفية تحليلية نقدية قائمة على تفعيل أدوات وآليات التأسيس المعرفي من إعمال العقل وإجالة الفكر والتدبر والنظر والتأمل وربط القرائن واستنطاق الدلالات القابعة خلف النصوص ، ويمكن استشفاف ذلك من عنوانات المصادر المختصة في هذه المرحلة من قبيل ( الحسين "ع" حامل لواء الحرية ، النهضة الحسينية أسبابها ونتائجها ، ملحمة عاشوراء ، تحليل دوافع ثورة كربلاء ، الاهداف الاجتماعية في النهضة الحسينية ، الجوانب الانسانية في الثورة الحسينية وغيرها الكثير ) مما يولّد انطباع وتصور للدور الكبير والمؤثر في تطور العقلية التأليفية واختيارها لمحتويات تلبي حاجة المجتمعات بقراءة تتناسب والذوق المعرفي .
ربَ سائل يسأل ما النوع الأفضل من هذين المنهجين ، وما السبب في ذلك ؟
نقول : مع التقدير والتكريم الكبيرين لمؤلفات النوع الأول ذات الطابع العاطفي وما قدمه أصحابها من جهود في ميدان التوثيق للإمام الحسين (ع) ، لكن يبقى النوع الثاني القائم على الدراسات الاستنطاقية للنصوص وطرح الجزئيات الغامضة وتنوير المتلقي بالرؤية النقدية الموضوعية هو الأفضل والذي سيبقى مؤثراً في البنية الفكرية للإنسان ( مرسل ـ مستقبل ) .
أما السبب في ذلك يعود لأمرين :
أولهما : إن البحث التحليلي في مبررات الثورة ودوافعها وبواعثها يُعد من الضرورات ، لأن التدبر بسيرة الأئمة الأطهار (ع) والاطلاع على سنتهم التي نعتبرها من مصادر التشريع توجه صاحب المشروع التغييري نحو الموقف الشرعي الصحيح في الخروج على النظام الفاسد والجائر ، والوقوف على التأطير الأمثل للنظرية السياسية الناجحة في قيادة الأمة .
ثانيهما : إن البحث ذات التوجه الموضوعي القائم على رؤية علمية تحليلية في جزئيات الثورة الحسينية يساهم في الدفاع عن الثورة وصاحبها أمام سيل الإشكالات والشبهات التي تُطرح كل لحظة ، لأن المنهجية السردية العاطفية لا يمكن لها الصمود والوقوف تجاه الأدوات المعرفية الحديثة ، فيتطلب بناء معرفي نوعي يلج في بحر المفاهيم الجديدة ويستغرق في الدلالات العميقة حتى نتمكن من مجابهة المتقولين والمشككين ضد الثورة الحسينية أمثال ابو بكر بن العربي ، ابن حزم الاندلسي ، ابن تيمية) ومن المستشرقين (فلهاوزن ، جولدتسيهر ، لامنس) الذين انتقدوا الثورة الحسينية وصوبوا سهام نقدهم الضالة نحو الثورة وعطائها الخالد ، إذ لابد من التسلح المعرفي لمواجهة العدو الفكري ورد تخرصاته
https://telegram.me/buratha