رسول حسن نجم ||
هل يعني استقلال الدولة انعزالها عن محيطها وعن العالم الخارجي؟ إذا قلنا (جدلا) نعم، فهذا يعني ان هذه الدولة تعيش في حصار تام لا تصدر ولاتستورد وتعتمد كليا على الاكتفاء الذاتي في جميع نشاطاتها واحتياجاتها وتصنيع أسلحتها الثقيلة والخفيفة للدفاع عن حياضها! وفي الحقيقة لاتوجد دولة بهذه المواصفات في كل العالم وهو ضرب من الخيال، وإذا حدث وسُوّق فكر كهذا فهو يستهدف البسطاء من الناس في أُطر قومية أو طائفية أو حزبية يُراد منها غسل أدمغتهم وتجميدها لتمرير مخطط جهة معينة من خلالهم للوصول الى أهداف هذه الجهة وفي الحقيقة هي أهداف مَن يقف وراءها سواءا كانت تشعر هذه الجهة أو لاتشعر.
أما إذا قلنا لا، الاستقلال لايعني الانعزال، فهذا تترتب عليه أمور منها :
اولا : كل دولة من دول العالم مهما بلغت قوتها الاقتصادية او العسكرية لها عمق استراتيجي مع دولة او عدة دول تتفق معها بالمصالح المشتركة بينهما، واقامة تحالفات وابرام معاهدات وتبادل زيارات وغيرها، وهذا لايعني بطبيعة الحال ان احداهما تابعة للاخرى كايران ولبنان او ايران والعراق او الصين والعراق.
ثانيا : كل دولة تحيطها مجموعة من الدول على الاغلب (دول جارة) وهذه الدول ترتبط مع بعضها بقواسم مشتركة كالتبادل التجاري او السياحة او العِرق والمعتقد وغيرها كثير، مثل روسيا واوكرانيا او مثل العراق وايران او العراق والكويت.
ثالثا العالم اليوم ينقسم (شئنا أم ابينا) الى محاور وما يهمنا في منطقتنا محورين رئيسيين :
المحور الاول : الامريكي الصهيوني: ويضم دول الناتو المتحالفة معهما وايضا دول الخليج ومصر والاردن مجبرين غير مخيرين وغيرهم، ويُراد للعراق الذهاب بهذا الاتجاه. ولقد تضرر العراق من هذا المحور منذ تأسيسه عام ١٩٢١ برعاية بريطانية والى هذا اليوم، ومن الجدير بالاشارة ان بريطانيا جاءت بفيصل بن حسين من الحجاز وتوجته ملكا على العراق في مصر! وذلك لإمتصاص النقمة الشعبية لثورة العشرين ولكي يكون وكيلا لها في العراق، والغريب في الامر إن هذا الملك (العربي الإنكليزي) كان مُرحبا به في الاوساط العشائرية آنذاك على وجه الخصوص وإستقبلوه بالهوسات والأهازيج! الى أن أُطيح بالنظام الملكي في عام ١٩٥٨ وأُعلنت الجمهورية العراقية بزعامة العميد الركن عبد الكريم قاسم وكان من المُزمع ان تجري انتخابات ودستور دائم نهاية ١٩٦٢ لكنها لم تحصل، واطاح به البعثيون في ١٩٦٣ ليبدأ زمن البعث الأسود على مدى أربعين عاما من الكبت والإقصاء والاعدام والتهميش للاغلبية بنَفس طائفي وعشائري قومي مقيت وبدون دستور دائم للبلاد!
المحور الثاني : الروسي الصيني الايراني : وهو المحور الصاعد لاسيما بعد طرح طريق الحرير وما أحدثته الحرب الروسية الاوكرانية من متغيرات في موازين القوى. أما المقاومة في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وفي العراق متمثلة بالحشد الشعبي الباسل، فقد وجدت نفسها في هذا المحور بوضوح في الحرب مع د١١عش، الحرب التي تخلى فيها الاشقاء عن شعب العراق بل واصطفوا مع محورهم الاول ود١١عشه المُصنع خصيصا للعراق ودعموه بالعدة والعدد ضد العراق وشعبه لان الاغلبية من الشعب العراقي وصل الى سدة الحكم.
والسؤال هو : عندما يخرج العراق من هذا المحور الذي وجد نفسه فيه! الى اين سيتجه والمحور الاول متربص به وسلط عليه كل الضغوط الناعمة و(الخشنة) ومازال؟!
(.. يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ).