الشيخ خير الدين العادي الشبكي ||
لم يكن الإصلاح الحُسيني بمعزلٍ عن الثوابت الإسلامية التي أكدتها الرسالة المحمديّة السمحاء؛ بل جاءت النهضة الحسينيَّة متوشحة بلباس الايمان ومكملَّة لمنهج النبوَّة ومحافظة على مبادئ الولاية التي أقرتها بنود الثقافة الإسلامية؛ لحفظ العباد والبلاد من الفتن المظلمة التي تعصف بالناس بين الحين والآخر؛ فتسلبهم نعمة الهداية وتبعدهم عن دينهم الحق الذي شَرَعه الله تعالى لينقذهم من ظلمات الجهل ومستنقعات الرذيلة إلى نور الهداية والصراط السويِّ.
إنّ خروج الحسين(عليه السلام) نحو نهضة أبديَّة كان لا بدَّ له من أسس ومباني يعتمدها في الوصول والاستمرار؛ لذلك نهض (عليه السلام) بمعية شعار مدويٍّ زلزل عروش الفاسدين؛ إذ قال عليه السلام: ((إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدي صلى الله عليه وآله أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي(عليهما السلام))( ), وكأنه يُذَّكرنا بقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ( ), فالحسين (عليه السلام) يُبيِّن أصول نهضته, وعلَّة خروجه وحركته, وانتماء ثورته, ومنهج دعوته, فقوله: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً) يؤكّد أصول نهضته المباركة فلم يخرج للمرح أو تكبُّراً على العباد أو لنشر مفسدة أو ظالماً لأحدٍ من الخلق, وهو بذلك يؤكِّد سفاهة المتسلطين وفساد حالهم وضرورة النهضة عليهم للحفاظ على المكتسبات الإسلامية التي باتت في مهبِّ الريح بعد تسلط الفاسدين والظالمين على رقاب الأمِّة وزيغهم عن سبيل الحق وقيادتهم للناس إلى محاربة الله ورسوله ومواجهة رسالة السماء بنشر الفساد ومحاربة الإصلاح.
وزاد على ذلك الحسين(عليه السلام)؛ إذ أكَّد أنَّ خروجه بقصد الإصلاح في أمة جدِّه المصطفى (عليه السلام), وظهر ذلك في قوله: (وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدي صلى الله عليه وآله أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر), وهذه الكلمة تُبيِّن حالة الفساد آنذاك؛ إذ كان مبرمجاً مِن لدن المؤسسة الحاكمة؛ للرجوع بالأمة إلى الجاهليَّة الأولى, وترك المبادئ الإسلامية وسُنة النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)؛ لذلك يؤكد الحسين(عليه السلام) اتصال دعوته بدعوة جدِّه (صلى الله عليه وآله), وفي ذلك إشارة إلى أنَّ القوم الذين نهض الحسين(عليه السلام) عليهم لم يكونوا على ملَّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بل كانوا ممن يحارب الإسلام كـ دين والحسين(عليه السلام) كـ انتماء؛ لذلك فقد سقطت هُويتهم الإسلامية وأصبحوا عراة من جهة الدين والمبادئ والاخلاق بخروج الحسين(عليه السلام), فلمَّا اجتمعت المصلحة على مواجهتهم مع العُدَّة التي كانت عبر المئات من الرسائل من مختلف الجهات والشخصيات أصبح لزاماً على الحسين(عليه السلام) الخروج في تلك النهضة الحُسينيَّة التي رسمت معالم جديدة للثورات وأيقضت الأمة من سُباتها العميق؛ لتتوقَّد أفئدة الناس وعقولهم تجاه القضية الإسلامية التي كانت مهدَّدة بالزوال نتيجة السياسات الخبيثة لحُكام الجور آنذاك.
والحُسين(عليه السلام) أكّد أنّه يسير في نهضته المباركة بمسيرة جدِّه وأبيه (عليهما السلام)؛ ليثبِّت أنَّ منهجه ومنهج أبيه ومنهج جدِّه (عليهم السلام) منهج واحدٌ في قبال المنهج الذي أخذ عنوانه من الإسلام والإسلام منه براء, واتضح ذلك في ختام كلمته المباركة؛ إذ قال(عليه السلام): (وأسير بسيرة جدي وأبي علي), فسلب الشرعيَّة من غيره في خروجه, وهذا الأمر زاد من ركائز نهضته التي نجحت في تغيير مسار الحراك الاسلامي وانقاذ الأمَّة من غفلتها وإعادة الحياة للمسيرة الإسلامية بشكل متجدِّد عاماً بعد آخر وكأنّه (عليه السلام) أصبح شمعة الاضاءة لكل المسلمين وليستقِّر في قلوب المؤمنين أنّ الإسلام محمديٌّ الوجود حُسينيٌّ البقاء.