سلمى الزيدي ||
تتغير الفصول والأعوام والأحداث تباعاً، كل شيء يتغير لا الوجوه تبقى نفسها ولا النفوس ولا الأيام ! تارة نفقد فنكون (فاقدين)، وتارة نفتقد فنتحول (لمشتاقين)!! حتى المشاعر تتغير إلا العميقة منها، حين تفارق شخصاً كان لك الدنيا وفصولها، كان لك الشيء واللاشيء! لا يسعفك النسيان فمن ذكرى تجرك بين نضرة وهمسة بين صورة لرائحة مكان وَكلمات حِسان..
إلّا أن هناك ثوابتٌ لا تتغير هي أصدقُ من أن تنخرها عواصف التحول والتبديلات، تمتد كالوتد من صلابة الأرض الى عظمة السماء ومن الشرق للغرب! تعالت واستقوت لأجلنا نحن المحبين، هي نقطة نهاية الآخـِرين ثبتت سطور البدايـات من الأوليـن! نعيش انتظارها من اليوم الأول الى إقتراب يومِ الأربعين، عقيدة لا نسمح للهواجس فيها أن تعترينا نحـن عشــاق الحسيـــن!!
حزينٌ صباح ذلك اليوم الذي زقزقت الطيور فيه بصوت نداء الــ (يا حسيـن)، هكذا سمعناها بــ (أذنٍ صاغية) وإن لم يعيها غيرنا فــ (في آذانهم وقراً)!!
ذهبت سراً لغرفتها الصغيرة جلست أرضاً أمام صندوقها الخشبي، سحبت منه ( فوطة وعصابة رأس وعباءة) تشابهت بالسواد الوانها، نفضتها لا من غبارٍ بل لتتخلص من ذرات (المسك والعنبر) بين طياتها، أخرجت رآية خضراء أحتفظت فيها من العام السابق، مسك مسمار ( الخانة الخشبية فيها) فتمزقت، لملمتها ما فرطت بشيء من خيوطها وكأن طهارة المعتقدات تَجَذّرت برأسها بكل تفاصيل القضية، شدَّت شريطٌ منها على معصمها فغطى (دكات) كانت تطوف على امواج تجاعيد يديها، علقت كيساً من القماش حول رقبتها كان فيه قليلاً من النقود..
تهيأت (أُمي) بفرحة ممزوجة بأحزان المصيبة، (اواسي ام المصايب عمية عيني اعليهَ) هكذا اجابتنا عندما سألناها عن وجهتها بحاجبين معقوفة وعيون دامعة، انضمَّت أُمي لخلية سرية ( بالفطرة) تتكون من مجموعة نساءٍ مواليات زينبيات تحدينَ نظام البعث والطواغيت! لتحقيق مراد السير إلى (سيد الشهداء) يوم الأربعين..
تشمّْر عن حبات المسبحة الطينية تزيحها همساً بالحمد لله تارةً وتارةً سبحان الله، هكذا كانت تنتظر مرور الوقت لإنطلاق مسيرة العشق، إصفَّر وجهها حين سمعت طرقات الباب فدقت (ساعة الصفر) بقلبها، إقتربت الساعة وأشتَدَّت الرزية! تَقَيدت أُمي بــ لامٍ بين قافيـن!! كانت كلمات وداعها لنا تائهةً بين السطور وكأنه الوداع الأخير، لا هدوء في الهدوء كما تضنون! وَصَت الأخت الكبيرة علينا لئلا يكون رجوعها بعدَ حين..
إتخذت النساء ومن ضمنهنَّ والدتي خطة لخارطةِ طريقٍ مختصرَة متعرجة بمتاهاتِ، للتخلص من عيون رجال البعث الكافر وطواغيت الزمان كانوا كالجراد المنتشر يتهموننا بالبدع والخرافات، مامَرَّ على الدهـر مثل تلك التحديــات!
كانت والدتي ( رحمها الله) أُميَّة الدراسة عالمَةً بالفِطرَة، كيف علمتنا بذلك الوقت عن جميع تفاصيل الملحمة الأسطورية؟ كيف ميزت بين الصديق والعدو بين الشيعة والوهابية؟ بين حب آل بيت محمد وحكم بني أُميَّـة؟ كيف رَسَخت العقيدة فينا بجوهر الذات وجرى بمجرى الدم توجه الرافضية؟ غرست بنا البذرَة الأولى وأثقلت كفة ميزان روح المذهبية..
(رَحمكِ الله يا أُمي) ..
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha