محمدعلي الدليمي||
إن من الأُسس التي أسست لها قوى الشر هي قتل الضمير الذي يُعرف بأنه الذهن الواعي الذي يُرعى مراقبة ما يلائم الفطرة وينهى عن الضديات التي لا تُناسب الطبيعة الفطرية للانسان فترى الأنسان يلوم نفسه ( بالضمير) على ما يفعله من كذب مثلا او صنيعة شينة ، وبطبيعة الذهنية التي يحملها الانسان فهي مُلقاة على النقد والمراقبة لمجريات الأمور ، وهذا الامر وظفه الأسلام في إطار الامر بالمعروف الذي تحث عليه الشريعة والتي لا تخالف الفطرة السليمة مطلقا ، والنهي عن المنكر الذي نهت عنه الشريعة والذي لا يُلائم الفطرة بل وتأبّاها وترفضها رفضا قاطعا كالقتل مثلا ، إلا أن قوى الشر التي لا تُريد للخط الأخر الذي يوازي خط الفطرة الماشي عكس توجه الفطرة أن يُردع من قِبل ضمائر الاصحاء والسليمين ، فالفطرة تتوجه للرقي والسمو والخط الاخر يتوجه لأرجاع الفطرة الى حالتها الاولى حيث كانت أسيرة الغرائز التي لا عقل لها فيصبح الانسان حيوانا يوظف قوانين معينة تماشي المصلحة الخاصة بناء على الرغبة والمعطيات التي توجبها حاجة الانسان للطعام والماؤى والشراب والنكاح ... وغيرها من المهمات الحيوانية.
وبأعتبار أن الانبياء والاوصياء عليهم السلام وصلوا بالفطرة الى مكان أوجب على قوى الشر أن تتصور في كل زمان بصور ولو بطيئة التاثير الا أنها إما أن تبطئ حركة السمو والرقي والتحرك وإما أن تهدم السير بأكمله وهو المبتغى الرئيسي.
وكانت الحاجة الماسة الى هدم الطريق متوقفة على قتل الضمير ولا سبيل الى قتله الا بمواجهة قواعده التي تكون صورة السيطرة والحفاظ على الكيان البشري مبنية ومتجذرة من خلالها بمحاولة ازالة القناع الذي يصور للضمير قباحة الفعل حتى لا يضده ويردعه وكانها عملية سحرية أستخدموا فيها تعاويذ الوهم لأيهام الضمير من غير ساحر ولا جن.
وكانت الحرب شديدة جدا على من كانت قواعد ضميره متجذرة فيه وصعبة المنال ، لكن قوى الشر على قديم وجودها درسة اجيالا متعددة ظهرت بها صور الفطرة بكافة انواعها ومستوياتها لذى كان من المهم أن تركز قوى الشر على ضعاف الفطرة الإمعية الذين أخرجتهم من دائرة سيطرة اولئك المتجذرة أصول الفطرة فيهم وتوظيف من تنمسح اثار الفطرة فيه لصنع أمثاله وجذبهم للطرق الاخرى.
وكان الامر ملحوظ عند اولي الالباب وتحرك اصحاب الطرق الاخرى واضح وخطواتهم بينة جدا مع محاولة اصحاب الطريق الاخر الاختفاء عن بصائر اولي الالباب او مجابهتهم عسكريا او إجبارهم على السكوت لعلمهم بعدم رضا وقبول الفطرة عندهم لما يريدونه.
وإن لم يستوعب ويدرك السائر على خط الفطرة الواضحة أن عدم ردعه وعدم رفضه أمر بغاية الخطورة إذ أنه بعينه ثمرة هندسات فاسدة لتدمير الفطرة البشرية ومحاولة أنحراف جنس بأكمله ، فإنه إن لم يشارك في الأنحراف او يخضع له ولو فكريا فإن سكوته يُمرر ويُعبِّد الطريق أمامهم إذ يصبح بسكوت فلان وفلان ثم العشرات من الناس السليمين الطريق سالك لوصولهم الى السيطرة الكلية والفعلية على مقدرات الناس الاخلاقية بعد سيطرتهم على مقدراتها اقتصاديا وعسكريا.
ومن جُملة ما فعلوه للأيقاع بصور اولي الالباب الذين يحاولون الحفاظ على ما يُنعش الفطرة ويجددها ويقويها كالشعائر الحسينية هو البؤوس الذي يعيشه الناس إذ يلقون بخيوط أسبابه على رُبان الأخذ بالفطرة نحو التكامل وهو رجل الدين إذ هو المستطيع الوحيد والمُتبصر البحّار الفاهم لهم ولسعيهم ولبُعد صغائر أفعالهم فضلا عن كبارها.
ولا يسعني في هذه الرسالة القصيرة ألا أن اُبين أن الدافع من وراء ذلك ليس دافعا بشريا بحتا بل هو دافعُ ما ورائيي إذ تمثل بشخصية أبلبس الظاهر بصور أدمية ولعلها معروفة، ولكن يكفي أنه تمرد على الطاعة لأدم فضلا عن ابنائه وها هم ابنائه يقعون ضحية ثأره وحقده المدفون على البشرية وعلى اولي الالباب الذين يمثلون اءدم واولاد أدم الصلحاء فالانجيل شهد بذلك والتوارة فعلت والقرءان قال، وكفى بمن ضعُف واستسلم ذلةً أن يكون ربُهُ هواه وان يكون عقل هواهُ أبليس الذي كانت نظرته الاولى لأدم فضلا عن ذريته نظرة تسافل وتصغير وبلا قيمة فكيف ينظر للأبناء من نظر للأب بلا قيمة؟ فحتما انه سيراهم بلا نفع -طبعا من أطاعه- فحربه مع من يريد أحياء الفطرة التي يسمو بها الانسان وان يمنع ذلك فذلك يعني وجود الخلافة الالهية التي هي اسمى صور الفطرة فوجودها تذكرةٌ له بعدم حصوله عليها.