د. حميد مسلم الطرفي ||
قبل ايام نشر أحد الاصدقاء الأعزاء ما يشبه الاستفسار عن الحياد في ظل الأزمة الحالية بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري وفيما اذا كان هذا الحياد هو من باب ( الوقوف على التل أسلم) أم إنه حياد ايجابي ، وهو تساؤل مشروع في ظل هذا الاستقطاب الحاد بين التيارين ، وبنظري القاصر أن هناك خلطاً في مفهوم النزاع الحالي هل هو سياسي أم ديني عقدي ، ففي الخصومات السياسية ليس هناك حق وباطل ، أو جنة ونار ، أو نور وظلام ، هناك وجهات نظر في الطريقة الأفضل لقيادة البلاد ، نعم هذه الخصومة السياسية قد تصل الى مديات عنيفة في أرقى الدول الديمقراطية وأقواها كما حصل في انتخابات الرئاسة الامريكية (2020) عندما احتل مريدو ترامب مبنى الكونغرس وقُتِل أربعة أشخاص، لكنه يبقى ضمن دائرة من هو الأفضل لقيادة البلاد وما هو البرنامج الأصلح للحكم . والإطار والتيار توجهان سياسيان خاضا الانتخابات لغرض استلام السلطة وادارة البلاد سلمياً ووفق الدستور والقانون وليس في ذلك منقصة لاحدهما فكل له برنامجه وجماهيره التي تعتمد على قدرته في الاقناع ، وحين تشتد الخصومة وتزداد الفجوة فمن يقرّب وجهات النظر هم أولئك الذين يقفون على الحياد أو على الأقل غير المصطفين تماماً مع أحد الفريقين ، وهؤلاء في نظري اليوم هم الموالون للخط الديني المرجعي . ان أخطر ما في الأحزاب الدينية هو جر الخلافات السياسية الى خلافات عقدية مقدسة وكأننا أمام حق وباطل ولا شيء بينهما ، وهذه الأدلجة للسياسة هي القاتل الأول للانظمة التي تقوم على اساس اختيارات الشعوب وصناديق الانتخاب ، نعم من حق المواطن أن ينظر في برنامج هذا الطرف أو ذاك ويرى مدى ملائمته لتوجهاته الدينية ولكن على الحزب السياسي ان لا يدعي أن من ايده مؤمن ومن خالفه كافر ، ومن معه الى الجنة ومن خالفه الى النار . ففي استقطابات السياسة لا عيب ولا مؤاخذة في الحياد بل إنه مطلوب لتقليل نسبة انحدار الخصومة السياسية الى الصدام العنيف . لكن الفيصل في الوقوف مع هذا الفريق أو ذاك هو الدستور والقانون ، فإذا ما تم الخرق وجب على القضاء التدخل ، وتلك فلسفة الفصل بين السلطات إذ لا ينبغي للنزاع السياسي أن يتحول إلى نزاع عنفي ، ولا يحق لحزب او تيار سياسي إكراه آخر على ما يريد . ولو اُستقطِب القضاء ولم يقم بواجبه -لاسمح الله- حينها ينبغي على الأغلبية الصامتة من المحايدين وفي اللحظة المناسبة أن تقول (كفى يعني كفى) .