د.نعمه العبادي ||
في اكثر من مناسبة (مشافهة وكتابة)، كررت الحديث عن إحدى إشكالياتنا المستحكمة والمتمثلة في إنشغال الجميع ( نظاما ومعارضة)، ومنذ تأسيس الدولة العراقية الجديدة في 1921 في سؤال "من يحكم؟" دون الانشغال بالسؤال الاهم " كيف نحكم؟"، لذا فنحن امام قدر كبير من سرديات تتعلق بنماذج مختلفة لمشروعية الحكم، وممارسة السلطة، ومطلق العمل السياسي، يتكأ كل منها على مرجعية معينة دينية كانت او دنيوية، وفقر كبير في رؤى الادارة ونظم الامور ومشاريع تنظيم الثروة والسلطة فضلا عن التفاصيل الدقيقة في مجال التنمية والاستشراف المستقبلي والتخطيط الاستراتيجي.
يخوض جملة من الناس نقاشا حول مشروعية العمل السياسي في عراقنا الحاضر من منطلقات دينية، وهنا لا بد ان يكون الحديث دقيقا وواضحا ومبنيا على اسس مسندة وموثوقة بعيدا عن تخرصات البعض والطروحات الانشائية او الاشتهائية، ولاجل ان يكون الحديث مركزا نجمله بالآتي:
- هناك فرق كبير بين مفهوم الدولة الدينية (اي ان يكون مرتكز الدولة ونظام حكمها قائما على نوع من المشروعية مأخوذا من الدين ومستندا الى النص الديني)، وبين دولة تعتمد المرجعيات الدنيوية يحكمها رجل متدين او يكون للدين فيها مكانة محترمة، وتحافظ على المحددات الدينية العامة.
- عمليا، لا يوجد على ارض الواقع دولة بالمعنى الاول، فحتى الجمهورية الاسلامية الايرانية واشباهها من الانظمة فيها خليط دنيوي، كما هي فكرة الجمهورية في ايران التي تمثل الجانب الدنيوي في رؤية الدولة.
- الرؤية العامة لمنهج اهل البيت عليهم السلام تلزم عامة المؤمنين بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع عن القضايا الاسلامية العامة ومنها حياة وكرامة وامن المؤمنين، ويحق للمؤمنين نظم امورهم في اشكال مختلفة شريطة ألا يكون هذا التنظيم داعيا او منخرطا في الباطل الصريح او يدعو الى الضلال او الانحراف او ينشغل بأعمال المنكر والسوء الواضحة الصريحة المنصوص على حرمتها، فهناك مساحة اباحة كبيرة يستطيع المؤمنون التحرك من خلالها لحماية المصالح العامة والقضايا المحترمة بما فيها الجوانب المدنية التي تخدم حياة الناس.
- طلب الاصلاح ومحاربة الفساد ومواجهة الباطل والضلال، والدفاع عن الحقوق المشروعة لعامة الناس من الحق في العيش الكريم والامن والطمأنية، لا تحتاج الى اذونات خاصة من فقيه او مرجعية إلا ان يكون هذا العمل مستخدما لاموال الحقوق الشرعية او الموقوفات العامة او يتضمن الامر بدرجة من الخطورة والاثر بحيث ينعكس بشكل كبير على حياة الناس والمعالم الاساسية للدين.
- تولي قيادة جمع من المؤمنين (صغيرة او كبيرة) على اساس القيام بأعمال خيرة وايجابية ضمن دائرة المباحات وعموم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة المظالم الصريحة، عمل مباح ومتاح ولا يحتاج الى اذونات خاصة، ما لم يصدر هذا القائد اوامره ونواهيه على انها ملزمة للآخرين من منظور شرعي اي بوصفها فتوى او اوامر ولائية، فهذه الامور يشترط فيها الاجتهاد او وكالة خاصة من المجتهد لتطبيق فتواه.
- عموم النشاطات السياسية في واقعنا الحاضر مثل الانتخابات والانخراط في السلطة والمشاركة في الحكم مشروطة بأن تكون لصالح المجتمع وتدعو الى الصلاح والخير وتحمي الوطن والشعب وتحافظ على المال العام والمصالح العامة بغض النظر عن طبيعة الجهة التي تقوم بها او عليها، فهذه المحددات ملزمة لكل الاتجاهات.
- الدين الحقيقي هو الذي يلتزم بنظافة ونزاهة وشرعية الوسائل والغايات، ففيه الغاية لا تبرر الوسيلة، وينبغي التفريق بوضوح ما بين مهارات السياسة الاجرائية وبين المكر والخداع والدسائس والغيلة.
- المحدد الاخلاقي العام كافي ووافي في تقييد وضبط جميع من في الساحة سواء كانوا من دعاة الدين او من دعاة العلمانية، فلا يوجد مسلك سياسي محترم يتعالى على الاخلاق او يتنصل عن مشروطيتها، وعلى حد تعبير الامام الحسين (ع) إن لم يكن لكم دين، فكونوا احرارا في دنياكم.
https://telegram.me/buratha