رسول حسن نجم ||
أكثر شبابنا اليوم من الذين لم يعيشوا تلك الأيام العصيبة في زمن البعث العفلقي ، ومع الاسف لم يجدوا في عوائلهم من يروي لهم حجم المعاناة لشيعة آل البيت عليهم السلام آنذاك ، وأيضا هم لم يكلفوا أنفسهم بالسؤال والبحث عن تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العراق ، ولأن الغالبية منهم مشوشي الأفكار نتيجة العوامل الضاغطة في المجتمع من شتى الاتجاهات ، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي يستهلكون في تصفحها ومتابعتها والتعليق على ماينشر فيها ساعات طوال من ليلهم ونهارهم ، والتي أغلبها مبرمجة لتوجيه عقولهم لوجهة معينة وتجعل منهم أدوات للتحدث بصيغة(العقل الجمعي)بما لايعلمون نتائجه فيما يسمى بالحرب الناعمة التي اكثرهم يجهلونها. في صفر من العام ١٩٩٠ خرجنا في الساعة العاشرة ليلا حوالي الاربعين شابا ، وهو عدد كبير جدا في تلك الفترة ، متوجهين صوب كربلاء الحسين عليه السلام.فعبرنا جسر الكوفة ثم سرنا بمحاذاة نهر الفرات ، والغريب في الأمر هو لم نجد أي شخص في طريقنا ، حتى وصلنا إلى حسينية السادة آلبو خلوف(رحم الله من توفي منهم وحفظ الباقين) فبتنا عندهم مابقي من ليلتنا ، وكان الجو حارا ، وقبل طلوع الفجر بساعة غادرناهم وعبرنا جسر أم عباسيات وسرنا أيضا بمحاذاة النهر حتى طلوع الفجر ، فصلينا الصبح ، وأيضا لم نجد أحد في الطريق ، الى أن طلعت الشمس فسرنا متفرقين حتى عبرنا جسر الكفل ومشينا بمحاذاة جدول هناك يمتد حتى يصل طويريج ، فإجتمعنا هناك ثانية ، وكان معنا من طلبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف الشيخ حسن رحمه الله تعالى الذي كان يقرأ لنا في الطريق قصيدة (يحسين بضمايرنه) والذي تم إعدامه فيما بعد بتهمة باطلة ، وما أكثر التهم التي تلفق لإعدام ألشيعة. ثم بعد ذلك على ما أتذكر شققنا طريقنا بين البساتين حتى وقت الظهر فإستضافنا رجل كبير السن على يديه أثر حروق ، وكان إيواء الزوار تهمة يعاقب عليها بالإعدام! وبعد الصلاة جهز لنا طعام الغداء ثم بعد ذلك أخرج لنا راية لأبي الفضل عليه السلام ودموعه على خديه فحكى لنا أن بيته تعرض قبل فترة لحريق ولم يسلم منه الا هذه الراية! فنهضنا الى تلك الراية وأشبعناها لثما وتقبيلا وبكاءا ، وطلب هذا الرجل بعد أن علم ان رادود كان معنا أن نقرأ قصيدة في بيته ففعلنا ، وبعدها هممنا بالخروج فمنعنا من ذلك لان هناك مخاطر ، وبطبيعة الحال إن هذه المخاطر من البعثيين هناك ، الذين يرصدون حركة الزائرين! فانتظرنا حتى الغروب تقريبا فشكرناه على حسن ضيافته لنا ، فيما أبدى ممانعة لخروجنا حتى تناول طعام العشاء فإعتذرنا منه وواصلنا طريقنا ليلا بين البساتين ، وبعد مسيرنا لفترة لاأتذكرها بالضبط ، إستضافنا شخص من أقرباء احد الأخوة الذين كانوا معنا في بيته ، فصلينا عنده العشائين وتناولنا طعام العشاء ، وأيضا طلب منا قراءة قصيدة ففعلنا ، وقضينا مابقي من الليل عنده وصلينا الصبح وخرجنا ، حتى وصلنا إلى ناحية الخيرات على ما أظن ، وكانت هناك حسينية تتوسط في بستان إستقبلنا صاحبها ومعه أربعة أشخاص أو خمسة يلطمون على صدورهم لأننا كنا نقرأ قصيدة ونلطم بصوت خافت ، فبتنا عنده ليلتنا حتى الصباح ، وفي حوالي الساعة التاسعة صباحا أخبرنا أحد أصحابنا إن مجموعة من البعثيين (الرفاق) دخلت الى الحسينية وجلسوا مع صاحبها في الفضاء الخارجي على قنفة خشبية كانت هناك ، بعد برهة دخل علينا ذلك الشيبة الذي يرتدي الزي العربي (العقال والشماغ) صاحب الحسينية التي نحن بداخلها ليخبرنا بأن هؤلاء (الرفاق) الذين يعرفهم من منطقته ، جاءوا ليسألوه إنْ مرّ به مجموعة من الشباب خرجوا من النجف الاشرف متوجهين الى كربلاء! فاخبرهم بأنه لم يرى أحد ، والغريب في الأمر انهم لم يدخلوا الى داخل الحسينية! ثم طمأننا بذهابهم ، فبقينا عنده حتى صلينا الظهرين وتناولنا طعام الغداء الذي أعده لنا بعناية ، وطلب منا ان نتفرق كل شخصين او ثلاثة عند مواصلة طريقنا لأن حركة (الحزبيين والأمن صارت كثيفة) ففعلنا حتى دخلنا مدينة كربلاء المقدسة في يوم ألأربعين ، ومررنا بحسينية السيد الخوئي (قدس سره) الذي عرفنا بوجوده هناك من خلال سيارته التي تحمل رقم ٢ نجف ، لكننا لم نستطع الوصول اليه لكثرة الناس في باب الحسينية لتناول الغداء ، ثم التقينا بآية الله السيد حسين بحر العلوم (قدس سره) فسلمنا عليه ، وتوجهنا إلى الصحن الشريف لأبي عبدالله عليه السلام فحمدنا الله وشكرناه هناك على لطفه وعنايته ببركات الإمام الحسين عليه السلام .
اليوم ونحن نعيش أجواء الزيارة ألأربعينية التي أصبحت مليونية وأذهلت القاصي والداني بفضل الله سبحانه وأهل البيت الأطهار عليهم السلام والدماء التي أُريقت في هذا السبيل ، صار لزاما علينا أن نشكر هذه النعمة واللطف الإلهيين ونحافظ عليهما من أن يزولا لاسامح الله سبحانه.