علي حسين الاشرفي||
بغض النظر عن رأيي الشخصي، بالشخوص والأحزاب الكردية، لكن لا يخفى على أحد مستوى الأقتتال الذي كان بين الحزبين الأتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، في تسعينيات القرن الماضي، والذي وصل إلى إستخدام السيارات المفخخة، وإلى ما يمكن أن يكون مأساة لمجرد تذكرها، فقد تيتمت أطفال، وثكلت أمهات، وترملت زوجات، وفُجعت عوائل.
بقي الوضع على ما هو عليه بين الحزبين المحكومين بشخصية الرئيس الراحل مام جلال طالباني، ومسعود برزاني.
فجائت المبادرة من مام جلال طالباني، أن قام بالأتصال بمسعود برزاني، مخبراً إياه إنه سيأتي غداً من السليمانية إلى أربيل ليتناول الغداء معه في بيته، وليضعوا حلا لهذه الحرب.
تفاجأ برزاني بهذا الإتصال، معلناً بعده، إن مام جلال سيفعلها ويأتي، ولو تم الإعتداء عليه أو تم إستهدافه، فسيكون ذلك وصمة عار أبدية، في جبين الحزب الديمقراطي، فوضع قوات كبيرة تقوم بحماية الطريق الذي سيسلكه مام جلال، من السليمانية إلى أربيل لكي لا يتم إستهدافه.
ففي اليوم التالي قدم مام جلال طالباني، بسيارة واحدة، مع اثنين من مرافقيه، بلا حماية ولا إجراءات أمنية عالية.
علماً إن هناك من نظر إلى هذه الخطوة، بالتنازل ووصفها بإنها خطوة إذعان، ولا شجاعة فيها، رغم كون الخطوة التي تحقن الدماء هي قمة الشجاعة.
وصل طالباني إلى حيث يريد، وتناول الغداء بمنزل برزاني، وإلتقى ببعض أفراد عائلته، وحصد ما يريد من هذه الزيارة.
وهذا ما ميز كردستان ونقلها من وضع إلى آخر، فلا الأموال، والميزانيات، والعلاقات الدولية، وغيرها قادرة على تحويل كردستان إلى ما هي عليه اليوم، من دون مبادرة الراحل مام جلال طالباني.
لا أدعي إن كل شيء مثالي هناك، ولا أريد تغطية أي مشكلة تنافسية بين الحزبين، ولكن ما نتحدث عنه هو المبادرة. فالقائد مبادرة! ومن لا يمتلك شجاعة المبادرة، فهو ليس بقائد.
وان وجد في المقدمة, فليس بالضرورة ان يكون هو القائد! وإنما ممكن أن يكون قائد على ملعب الشطرنج فقط، وهناك عقل يحركه حسب خطته، ليكمل دوره باللعبة، ثم تتم التضحية به، ويموت!
لننقل المبادرة الكردية، إلى المكون الأكبر في العراق، فقد أخذ الكثير من قادة الأحزاب الشيعية، دور مام جلال طالباني، لعلاقتهم الطيبة به، قبل رحيله، لكن، وللأسف! لم يأخذ حلفاء برزاني الحاليين، وأصدقاءه المصلحين، دوره في التسعينات، وردَه على المبادرة بالإيجابية، فلم يتعلموا من حليفهم، سوى الحقد والكراهية، والمكر والخديعة، ليصل الأمر بأصدقاء مام جلال طالباني ( رحمه الله ) ليرددوا قوله تعالى: ( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ).