كوثر العزاوي ||
وطفقت رياح العشق تطوف آفاق الأرض تنشر عبق الولاء في الأرجاء، "وأرسلنا الرياح لَواقِح" تُلقّحُ سُحب الأرواح المتراكمة في مآقي الملايين، تُدرّ غيث الشوق محمّلًا سنابل "ياحسين" في كل سنبلة مئة شهقة ودمعة وآه، تسقي أشجار العطاء والبذل فتنفتح عن أكمامها ليبقى رَيْعًا يُصيب القلوب الظمأى حتى الحَول، فتراهُ ربيعًا مخضرًّا كأبهى صور التعبير عن ذلك الإحتشاد الأسطوريّ الذي يُنتِجهُ حبّ الحسين"عليه السلام" في كربلاء، حيث صدى العهد عند هتاف {لبيك ياحسين} تلك الصرخة التي تُطلقها حناجرَ أبَت إلا أن تُجذّرَ المعنى الولائي المحمديّ العلويّ الحسينيّ الزينبيّ في عمق كربلاء على امتداد الدهر، وقد وَسِعَ ثراها مئآت ملايين البشر من أصقاع الأرض وأقاليمها ومختلف الألوان والألسن، لتبدو عند بلوغ ذروة العشق في العشرين من صفر، كجبل أشمّ، يتحطّم عند سفحهِ كلّ مخطط بائسٍ مستَحدَثٍ وسالف، ويتصاغر مَن يبتغي الشرَّ والضررَ، فما أن يلبث حتى يصبحَ هشيمًا تَذرُوهُ الرياح!، ليتسنّم القمّة شموخ الصبر لعقيلة بني هاشم وهي ترسّخ حقيقة للتاريخِ قائلة للإمام السجاد"عليه السلام" وهي تُعزّيهِ بيقين العارفين:
{سيُنصَب بهذا الطَّف عَلَم، كلما اجتهد أئمّة الجور وأشياع الكفر والضلال على مَحوِ أثرِهِ، فلا يزداد إلّا علوّا وارتفاعًا، وهم يزدادون انطماسًا وانكسارا..} فوَ الله!! لقد صَدقتْ سليلة الاطهار، ها هو التأريخ يُثبِتُ صحة النبوءة ناصعة على سارية الخلود!! ولَكَم حاول الأعداء طمس آثار الطف فلم ولن يفلحوا، ومحال أن تنالَ هذا الصرح تشويهات الأعداء وإشاعات الحاقدين ولا محاولات الجاحدين، لانّ عطاء الحسين"عليه السلام" مَعينٌ لاينضب، كالسيل الجارف والبركان الثائر، لا يقاومه حَدّ مهما حاول أن يُغرِز في البركان من أوتاد، فهذا الزحف وصرخة الولاء إنما تنبع من ارتباطها الوجوديّ والتكوينيّ بالحسين" عليه السلام" فمنذ تاريخ طويل والمسيرة الإلهية والعرفانية تجري كالفلك في بحر الدنيا بنعمة الله رغم شدة الرياح العواصف، لأنها محطةُ بصيرة، ومصداق عرفانٍ رسمت أبعادها يد الغيب لتثبت حقيقة سنن اللهِ في عباده وهو اللطيف إذ يقول:
{كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ..}الرعد ١٧
٩-صفر١٤٤٤هج
٦-٩-٢٠٢٢م
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha