لمى يعرب محمد ||
الساعة٨:٤٠ دقيقة صباحاً، التاريخ ٩/٨
وأنا في غفوتي طُرِقتْ باب الدنيا فجأةً، وإذا بزائرٍ ضخم القامةِ عبوس الوجهِ شديد النظراتِ، يخبرني بأنه أُمِرَ بأخذِ عنوان كتابي، هيا قومي واستعدي لمراسم العزاء، ولا تطولي الوداعَ كثيراً لا قيمة لمشاعر قد دهسها الزمن..
لا الضجيج ولا الصراخ فهذا سرٌ مجهول، يطلُ علينا غفلةً في أي وقتٍ، بعض الأحداثِ خُلِقَتْ لتكونَ مرةً واحدةً ثم لا يكون لها معنى بعدَ ذلك..
صباحٌ جميلٌ للجميع إلا أنا، فلأول مرة أعيشُ لحظاتَ الرحيل الصباحي، لم يكنْ ككل الصباحات أُبيحتْ به جميع أدوات الاستثناء في اللغة، صخب وعويل وصمت وهدوء، مشاعر مضطربة، لبرهةٍ من الزمن جبتُ الأقطارَ مشياً لا ركوبا، أنزلُ من أعلى درجات السلم الهامد أسفل بوابات البؤس، أتى الزائرُ بخطى واثقة لا اضطراب فيها، غير مبالٍ من خلو المكان أو ازدحامه..
وقفَ دون أن يلتفتَ إلى الوراء، اقتربَ أكثر فأكثر، سرقَ انتباهي وتجاوزني بسرعةٍ، أشارَ له مرةً واحدةً، فارتقى المخلوق إلى بارئه، بسرعةٍ قصوى وبلمح البصر كأنه بسباق مع الريح.
يرتفع بشكل غريب بخفةٍ غير معقولة، وبجبهةٍ صفراء كأنها فُرِّغَتْ من دماء الأرضِ جميعها، نَظَرَ إليِّ نظرةً لا قرار لعمقها، توجه إلى الأفقِ البعيد، وأنا طفلة أراقبُ لون شعره الممزوج بسواد يوم رحيله وبياض الشيب الذي علا رأسه، وأعدُ دقات ساعته الفضية، أحاولُ أن اكتشفَ سر هذا الصوت.
لم أكنْ اعلمُ إنها حركة الأميال التي تأكلُ بأعمارنا، نأتي إلى الحياةِ برحلةٍ قصيرةٍ ونندفعُ إلى النهايةِ على الفور، كل شيءٍ زائف والحقيقة الوحيدة الكبرى هي الموت.
حكاية عسيرة وغامضة يصعبُ تصديقها، أقسى كلمة عرفها الزمن، " ربَّنا اغفر لنا ولوالدينا، ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا"، ها هي وحشة الموتِ قد أقبلتْ، وأوجبتْ عليَّ أن أكتبَ درسها ووقع ألمها، وأوصفُ ذكرى صبيحة رحيلك، كلمات انتقت نفسها بنفسها لم تكنْ باختيار أحد والسببِ..!
"لأنه الموت يا أبي".
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha