كوثر العزاوي ||
اقتضت حكمة الله" عزوجل" أن يكون الغيب مَحَكًّا حقيقيًا لإيمان الانسان واختباره، ومن هذا الغيب هو الوجود الملكوتيّ للإمام المهديّ" الغائب الحيّ" عجل الله فرجه"
بكل ما فيه من خصائص غيبية متعالية على المادة، وبذلك يكون تأثيره المبارك من سنخية ذلك العالم الذي لانُدركهُ بعقولنا البشرية المحدودة، ولكن لدينا من اليقين ما يجعل تلك الصورة الغيبية قريبة جدًا الى أذهاننا، وقد نلمس بركاته "عجل الله فرجه" في كثير من المناسبات ومحطات الحياة العملية والوجدانية، الفردية منها والاجتماعية، وعلى الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، ولعلّ خير شاهد على رسوخ اعتقادنا هو: مجريات الزيارة الأربعينية المباركة وانسيابيتها لهذا العام والتحديات التي تثبت ماورائية هذه الشعيرة العالمية، لتؤكد حقيقة قول رسول الله" صلّى الله عليه وآله" عن جابر الأنصاري لمّا سأل النبي، هل ينتفع الشيعة بالقائم "عليه السلام"في غيبته؟! فقال"صلى الله عليه وآله":
{ إي والذي بعثني بالنبوّة، إنهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب} وقد خصّ نبيّ الرحمة الشمس بالتشبيه لما فيها من إشارات تحمل وافر النفع وغزير الخير والنعم الجِسام وإن حجبتها سحب السماء، مما لايخفى ذلك على عارفٍ بالعلوم الإنسانية، ومن هنا يجب أن يكون الناس في حالة واعية من التطلّع والتأهب لظهور الامام المهدي "ارواحنا فداه" تمامًا كتطلّعهم الى تبدّد الغيوم حينما تكتنف قرص الشمس فتمنع الضياء، فهو الأمان لأهل الأرض حقًا، كما هو إحساسنا بوجوده ودعائه وبركاته عند الشدائد والملمّات، وتسديده عند اعمال البرّ والخيرات، بل وفي حلّ المعضلات من مشاكل الأمة الإسلامية بمقتضى اللطف الإلهي، فلو عامل الله الناس بعدله لِما يقترفون من معاصي بالسرّ والعلن مع الإصرار والغفلة، لوَجَب خسف الارض بهم! ولكنه "جل وعلا" يعاملهم بتفضّلهِ باللطف والرحمة وإفاضة أسباب العيش! ومن تجلّيات لطفه سبحانه وجود محمد وآله الاطهار"عليهم السلام" ليكونوا بما هم عليه من شأن وجاهٍ مَدعاة لاستمرار الحياة ومنع الغضب الالهي عن الناس، وما الوجود المقدّس للامام المهدي"عجل الله فرجه" إلّا محض استمرار وديمومة لتلك الوجودات النورانية التي يمثّلها رسول الانسانية وأهل بيته"عليهم السلام" المانعة من نزول الغضب الإلهي في مناسبات شتى.
وفي بيان هذا المعنى ما ورد في جواب الحجة "عجل الله فرجه" لإسحاق بن يعقوب كما في توقيعه الشريف:{وإني لأمان لأهل الأرض ، كما أن النجوم أمان أهل السماء}
فقد أخبرنا الإمام الصادق"عليه السلام" عن زمان غيبة إمام العصر "عجل الله فرجه" وكثرة المفاسد المثيرة للفتنة التي تحدث آنذاك ، بحيث أن الملائكة تتعجب من الشخص الذي يموت على الإيمان!! ومن هنا، ندرك مدى الحكمة من وجوده "عليه السلام" فضلًا عن حاجتنا لمساعدته ومساندته في متاهة الدار الأولى وشبهاتها، وهذا لا يتحقق لنا إلا بأداء الواجبات الملقاة علينا، ومن ثم التطبيق السليم بما يُقرّ عين إمامنا الغائب الحاضر ، وكما يليق بمقامه المقدس من تعهّد الاستقامة في القول والفعل والعمل الصالح سرّا وعلانية، لكي نضمن مساحة التكليف والتشريف في دولة التمهيد إيذانًا بالقبول، علّنا نبلغ الفتح يوم لاينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.
٢٣-صفر١٤٤٤هج
٢٠-٩-٢٠٢٢م
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha