علي عنبرالسعدي ||
منذ القِدم ، وعبر مسار البشرية كلها ، ظهر دائما من يقود الجموع ويؤثر على أنماط تفكيرها ،ودائما يستخدم كلماته ووصاياه بكثافة وخلاصة تداعب عواطف الناس فينقادون وراءها ،على ان تكون جاذبة مغرية ،تتلبس ثوب الحق وتصبح مقياس الصواب .
قاد قيصر ،امبراطورية روما لتكون أعظمها ، لكن جاء من يرفع شعار(طغيان القيصر) فصفقت روما لمن قتله باعتباره مخلّصاً، وقبل ان يُدفن ،جاء من يخطب بروما ( الخيانة قتلت قيصر) فهاج الجمهور ضد القتلة المتآمرين على روما ،قتل قيصر بشعار(حرية روما) وقتل من قتلوه بشعار (عدالة روما) ثم بدأت روما بالانهيار ،لأنها أودعت عقولها بيد من يتلاعب بها .
لم تقرأ روما درس أثينا ، التي تنبهت لخطورة الجموع حين تنخدع ب(زعيم ) يستغل خطاباً باسم دين أو وطنية أو عدالة اجتماعية ، فيصادر عقول أفرادها ويجعلهم طائعين .
كانت أثينا تريد قانونا لمجتمع متحضّر ،لا اثارة لعاطفة تؤدي لهياج ، لذا عاملوا من يستغل عاطفة الناس ،رافعا شعارات جاذبة في ظاهرها ،خادعة في باطنها ،وقبل استفحال خطره ، بوضع اسمه على أغلفة المحار - في اشا رة الى ان كلامه فارغاً مثل اغلفة المحار الفارغة - ثم الاقتراع على نفيه من المدينة لعشر سنوات ، كي يزال اي أثر تركته دعاواه وشعاراته.
ظهر أنبياء وقادة فتبعتهم الجموع ،وظهر مدعون زائفون ،فتبعتهم الجموع كذلك ، عيسى المحبة ، مقابل هتلرالعنصرية ، وغاندي اللاعنف الوطني ، مقابل بول بوت الذبح الوطني ، ثم توالت الحركات والشعارات : انصر الله ينصرك ، يرفعها القرامطة بوجه بني العباس ، لاحكم الا لله ،يرفعها الخوارج بوجه علي ، ألمانيا فوق الجميع ،يرفعها النازيون بوجه الشيوعيين . ثم ظهرت داعش ،واستعيد شعار لاحكم الا لله ،مقابل من رفع شعار الوطن للجميع .
كلّ حركات التشدد عبر التاريخ لجأت الى (رجل محار) وكلها حصرت كل خير وصلاح فيه ،فهوالمستجير بالله والموكل بأمره ،للوطنية هو المقياس ، وللجموع هو المحب والحامي والمدافع ، وكل من لايؤمن به ،هو مارق كافر ،أو عميل خائن ، او جاهل أعمى أو مشكوك بأصله .
وكل حركات التشدد تلجأ الى تصفية خصومها وكل من ليس معها أو يحاول التساؤل حول دوافعها ، ان لم تكن جسدية مباشرة ،فمعنوية سافرة ، حيث تشنّ عليه هجمات منظّمة ومركّزة ، أما تجبره على السكوت، أو السير على مايراد لاكتساب المراد والفوز برضا الزعيم المقدس .
إنه قدر الانسان حين يشقى بعقله ،فيما غيره يختار الوقوع تحت ظل رجل محار .
ألواح طينية ، علي عنبر السعدي، عميل خائن
https://telegram.me/buratha