المقالات

بين الحوار والنّقار، تضيع الحقيقة..


كوثر العزاوي ||   حينما يؤكد القرآن على لغة اللّين عند الخطاب أو الحديث بين طرفين أو مع عدة أشخاص على نحو النقاش مثلًا أو لأي غرض آخر، إنما يحثّ على اعتماد الأحسن من الكلام والأنقى كما أراد ذلك لعباده{وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَن} النحل ١٢٥ {وَلَا تُجادِلُوا أَهْلَ الكِتَاب إلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنْ} العنكبوت ٤٦ {اذْهَبَا إلى فِرعَونَ إنّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا...}طه ٣٤-٤٤ لعل المراد من استحضار لِين الكلام  عند الدخول في الحديث مهما كان نوعه، لكي تُفتَح القلوب لتنفذ الكلمة الى العقول لأن الإنسان بطبعه يحب للفكرة أن تأتي من خلال قلبه، والكلمة اللينة غالبًا ماتساهم في علاج الأفكار وتخفيف حِدّة التشنجات في جوّ هادئ. لأن الجو الساخن يؤدي إلى الانفعال فيعقّد الكثير من عملية التفاهم والتحاور ومعالحة الأوضاع المرتبكة، وعليه: فإن اللين، وجمال الألفاظ، واعتدال درجة الصوت والابتسامة مع تقبّل الآخر، إنما هي ادوات الحوار أو النقاش الناجح التي تساهم في إنجاح عملية الوصول إلى الحقيقة المتوخاة من الحديث، والجدير بالذكر، أنَّ اللغة اللينة تأتي قرينة في طبيعة الألفاظ المنتقاة لإثبات المقصود مقابل قوة الأفكار وصلابة المضامين من حيث صياغة الحجّة والبرهان، ومن هذه المقدمة يستطيع الإنسان الواعي أن يبدع في صنع مفاتيح الحديث ليفرّق بين الجدال والنّقاش والحوار والنقار! فالنقاش: هو عبارة عن حوار بين طرفين أو أكثر حول موضوع معين، بصرف النظر عن التوافق أو الاختلاف في وجهات النظر ويكون الهدف هو الوصول إلى الحقيقة ، أمّا الجدال: فهو صفة يغلب عليها الهجوم من طرف على الآخر ليأخذ صبغة" النقار" فهو يتسم بالحدّة ، وغالبًا يكون الهدف منه إعداد نية انتصار شخص على الآخر وإلحاق الهزيمة به بصرف النظر عن إثبات الحقيقة من عدمها!! لذا، فأنّ مانشاهده اليوم من غياب اللين وتجلّي الفظاظة أثناء الحديث، فضلًا عن عدم الذوق واللياقة في استخدام المفردات التي يغلب عليها المنطق السوقي أثناء الحديث  تحديدًا الحوارات السياسية والاجتماعية في مقابلات على الهواء والتي من المأمول أن تتسنّم سلّم الذوق وجمال الأدب مايعكس مروءة المتحاورين، لا أن يغلب الأمر الذي يفضي إلى قلّة الاحترام وحدّة اللهجة وضآلة المنطق حتى يلتهب الجو وتنفعل النفوسَ ليتحوّل الموضوع إلى محاولة فضِّ نزاعٍ بين خصمين دون إذعانٍ ولا إنصات  مما يتسبّبُ في ضياعِ أصل الموضوعِ الذي تمّ الحضور من أجله، والسبب الأساس في استحكام هذه الظاهرة السلبية اللاحضارية إنما تنتج عن: * عدم تقبُّل فكرة الاختلافِ في الرأي. * عدم اتباعُ المنهجية العلمية في التحدُّث التي لا يُمكن للعقل إنكارُها. * اعتماد أسلوب الجدل لا الحوار  *الحرص من اول الأمر على هزيمة الطرف المقابل برفع الصوت واستخدام ألفاظ نابية مما يؤجج الموقف لتنتهي المقابلة أخيرًا في خلق أزمة جديدة تؤكد غياب لغة الحوار اللّين، وتفصح عن عدم امتلاك معرفة أدب الإختلاف وثقافة الحوار وكيفية إدارة الانفعالات!! وحينما نعجز أن نتفق فلا أقلّ مِن أن نتعلّم كيف نختلف لنثبت معنى أننا أصحاب مبادئ سامية وأن هدفنا هو تعرية الأفكار والمبادئ الضالة والمنحرفة من مبدأ الحرص وواجب الدفاع عن الحق بعيدًا عن الأنا وهوى النفس الأمارة بالسوء.   ١٠ربيع الأول ١٤٤٤هج ٨-١٠-٢٠٢٢م
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك