المقالات

حكومة الاغلبية السياسية..!


محمد عبد الجبار الشبوط  ||

 

كان من المحتمل ان تخطو البلاد خطوة نوعية نحو الديمقراطية لو تم اعتماد فكرة حكومة الاغلبية السياسية الى نهاية الشوط. ذلك ان  ثنائية حكومة الاغلبية مقابل المعارضة القوية هي احدى قواعد بل شروط النظام الديمقراطي الاساسية.

في انتخابات عام ٢٠١٠ رفع احد الاطراف شعار حكومة الاغلبية. وفي  انتخابات عام ٢٠٢١ تبنى طرف اخر نفس الشعار. (علما انني ذكرتُ في حينها ان الشروط الموضوعية لتشكيل حكومة الاغلبية غير متوفرة). وكان على الطرفين المتنافسين ان يدخلا سباق تشكيل حكومة الاغلبية، فاذا نجح احدهما بذلك توجه الطرف الاخر الى صفوف المعارضة. لكن انسحاب احد الطرفين من السباق ادى الى اجهاض التجربة، الامر الذي ادى الى سحب شعار حكومة الاغلبية من التداول، والعودة الى حكومة المحاصصة واشتراك الكل فيها بناء على ما يسمى بالاستحقاق الانتخابي. تبين ان الدعوة الى حكومة الاغلبية قائمة على شرط ضمني هو ان يتولى الطرف المعني تشكيل الحكومة لوحده، فاذا ما عجز عن ذلك اتجه  اما الى  الانسحاب من المسرح السياسي او العودة الى حكومة المحاصصة.  وكلا الاحتمالين يكشفان عن ان الطرفين لا يؤمنون  عمليا بالديموقراطية او لا يفهمونها نظريا.

حتى لو نجح الطرف المعني الان بتشكيل حكومة المحاصصة، فان الامر في حقيقته يمثل تراجعا عن الديمقراطية. ولا يثير هذا استياءً كبيرا، لان الديمقراطية لم تعد هدفا مرغوبا به من قبل قطاع واسع من الناس. وهذا ايضا يمثل بدوره تراجعا عن الديمقراطية. وهكذا اضعنا فرصة في اخرى في مجال السعي الى اقامة ديمقراطية صحيحة في العراق.

الانتخابات من شروط الديمقراطية. لكنها وحدها لا تكفي لوصف البلد بانه ديمقراطي.  فمن شروطها ايضا وجود حزبين او ثلاثة بحجوم كبيرة تتنافس فيما بينها على السلطة بحيث تكون نتيجة المنافسة حكومة اغلبية تحكم ومعارضة اقلية تعارض وتراقب. وهذا الشرط غير متوفر حتى الان عندنا. لا يمكن في حالتنا الراهنة تشكيل حزب او حزبين او ثلاثة على الاكثر بحجم كبير، لان الاحزاب عندنا فئوية مغلقة (شيعية وسنية وكردية)، وليست احزابا وطنية شاملة. ومما يزيد الطين بله ان هذه الاحزاب الفئوية ليست الممثل الوحيد للمكون الذي تنتمي اليه، انما هي حزب واحد من بين عدد اخر من الاحزاب الامر الذي يضع قيدا اخر على حجمها. والنتيجة ان كل الاحزاب اما متوسطة الحجم، او صغيرة الحجم، او احزاب لا ترى بالعين المجردة.

وهذا بدوره يؤثر سلبيا على مبدأ اخر من مباديء الديموقراطية وهو تداول السلطة الذي ينص عليه الدستور في  المادة (٦) التي تقول:"يتم تداول السلطة سلمياً عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور". وفي الواقع فان تداول السلطة محدود جدا بسبب التركيبة الطائفية للنظام السياسي حيث يتم حجز المناصب السيادية الثلاثة الاولى للمكونات الثلاثة (الشيعة والسنة والاكراد) مسبقا حيث لا يمكن تداول هذه المناصب خارج اطار المحاصصة الطائفية والعرقية. فضلا عن ان المحاصصة والاستحقاق الانتخابي يؤديان الى مشاركة الجميع في السلطة. وهذا ليس تداولا للسلطة انما هو احتكار، او توسيع لها. وبالتالي فانه من الصعب اعتبار النظام السياسي الحالي نظاما ديمقراطيا بسبب غياب القواعد الاساسية للديمقراطية.

يتطلب اضفاء صفة الديمقراطية على النظام السياسي الحالي اجراء تغييرات جذرية فيه تضمن قيام احزاب كبيرة قليلة العدد، وتشكيل حكومة اغلبية مقابل معارضة فعالة، وتداولا حقيقيا للسلطة، والتخلي عن المحاصصة ومبدأ الاستحقاق الانتخابي في تشكيل الحكومة. وهذه متطلبات لايبدو ان الطبقة السياسية الحالية راغبة او قادرة على توفيرها، وقبل ذلك يتطلب فهما عميقا للديمقراطية واسسها ومبادئها لدى الحاكمين والمحكومين والناخبين على حد سواء.

 

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك