خالد الثرواني ||
تُعدُّ التجمعات بمختلف الأنشطة مرآة للفعل والتفكير الجمعيين لأيّ مُجتمع، فالأفعال والأقوال الصادرة عن هذا التجمع تبيّن لك كيف يُفكر النّاس وما وصلوا له من رُقي أو انحطاط ، وما هي المؤثرات التي أثّرت فيهم وحرفت بوصلتهم نحو تصرفات جديدة. وفي الأعراس والمناسبات تكون الفرصة مواتية لقياس مستوى التفكير الجمعي. قديماً كان المحتفلون يهتفون "بنت الشيخ لإبن الشيخ جبناها"، وهنا كان هؤلاء يتفاخرون بعزّة وعفاف العروس وأخلاق وشهامة العريس بوصفهم أبناء شيوخا حتى وإن كانوا من عامّة النّاس، هذا الوصف في زمانه كان يعكس مدى اعتزاز المجتمع بالأخلاق والصفات الحميدة والعفّة، كانت "العيب" معياراً بين النور والظلمات، والعيب هو الضّمير الذي يحكم العلاقات الاجتماعية، فترى المصطلح حاضراً بين الجار وجاره، بين الإنسان والإنسان فخلق مجتمع متماسكاً فيه الطلاق عيب فحلّ المشكلات العائليّة وحفِظ البيوت من الانهيار، وكان التعدّي على حقوق الآخرين عيبا، فتحوّل المجتمع إلى عائلة.
دخلت العولمة متأخرة للعراق واجتاح الانفتاح الإعلامي بيوت الجميع، فعبثت القنوات الفضائيّة الممولة من الأنظمة الديكتاتورية في بعض الدولة العربيّة بعقول المشاهدين بمواد فنية هابطة أدخلت عادات وتقاليد جديدة، قد لا تكون هذه العمليّة خالية من القصديّة في إنهاء المجتمعات المتماسكة لأغراض سياسيّة، فالإنسان المحصن لا يُمكن أن يكون إرهابياً أو عميلاً أو تافهاً يهدم الذائقة، والمرأة المحتشمة العفيفة لا يُمكن أن تخون زوجها مثلا كما تنتشر بعض الحالات أو تتخذ صديقاً حسبما تؤكّد عليه الفضائيات السعوديّة مثلاً الّتي تبث هذه الأعمال الهدّامة للمجتمعات المُحافظة بينما تقدّم للجمهور داخل بلدانها مادّة إعلاميّة مختلفة!
في العراق وبعد عام 2011 أي منذ ظهور أوّل مسلسل مُدبلج من النوع الهدّام وحظي بمتابعة كبيرة ظهرت على السطح سلوكيات جديدة أدّت في أبسطها إلى ارتفاع نسب الطلاق لمستويات مخيفة تكاد تفوق نسب الزواج- لعل هذا السبب واحداً من عدة أسباب أدت في المحصلة إلى كثرة حالات الطلاق لكنه أساسياً- كذلك أدت إلى ظهور متغيرات لأوّل مرّة في المجتمع العراقي المعروف بأنه محافظاً، إذ كثرت حالات الهروب من المنازل بالنسبة للفتيات، فضلا عن سلبيات يستحي المرء من نفسه ومن الآخرين أن يذكرها لفظاعتها لكن لضرورة الفكرة نبيّن من بينها تبادل الزوجات وزنى المحارم. وفي جانب آخر أدّت فوضى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وعدم فرض محددات لعمل هذه المواقع وما يتاح للمواطن على الشبكة العنكبوتية إلى تعضيد الحالات السلبيّة وزيادتها بالتفاهة التي انتشرت كالنار في الهشيم فكان الحضيض السلوكي هو الهدف الأسمى للشهرة للكثير من مشاهير هذه المواقع. هذا التخريب أدّى إلى أن يكون هتافا "كان صاحبها وخذاها" حاضراً بقوة في أعراس العراقيين وتحت مسمع أب وأخوة وأقرباء الفتاة الذين يتقبلون هذه الكلمات مرغمين أو مستسلمين، لحمّى التغيّرات الاجتماعية التي سببتها فوضى الإعلام والإنترنت بعدما كانت العروس "بنت شيخ" تخرج من منزل أهلها لسكن الزوجية فتحولت هنا إلى دمية تفضّل عليها "صاحبها" وتزوجها.
نؤكد أن ما يحدث من تغيير سلبي لم يكن تأثيره عاماً فغالبية المجتمع ما تزال تحتفظ بما لديها من ثوابت أخلاقيّة، لكن من ضاعت متبنياته بظلام الفوضى الحاليّة يحتاج إلى قوانين وأنظمة تحكم فضاء الإعلام والإنترنت وتدعم صناعة فنّ يرتقي به إلى نور الفضيلة، وهنا لا ندّعي إننا نريد مدنا فاضلة لكننا بحاجة لمجتمع يؤمن بالقمة ويحاول الارتقاء لمستواها، لا أن يهبط بنظره إلى حضيض " البلوجر " و "الفاشنستا" وغيرها من المُسمّيات ليُقلّدهم.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha