مازن الولائي ||
حركة مريبة بدت في أرجاء الجامعة وأخبار هنا وسؤال هناك ومحادثات هامسة ملحوظة بين طالبات الأقسام المختلفة وخاصة في وسط المحجبات ومن هنّ متصديات للعمل التبليغي والرسالي في مجتمعهن، وكعادة كل عام يبدأ التحضير لزيارة الأربعين، ومن ضمن التحضير التفتيش عن المتعففات والفقراء من بنات الجامعات حتى يقوم صندوق التضامن الذي تم تسميته "على حساب الحسين" لتتولى المسؤولة عنه بعد عرض الأسماء عليها بتغطية النفقات الضرورية لإرسال من لا قدرة لديهن على الزيارة مع الرغبة لديهن، "كوثر" تلك الفتاة التي تقضي شبه يومها في الطريق حتى تصل الجامعة ذهابا وايابا بسبب بُعد محل سكناها الذي يحتاج أكثر من صعود سيارة لعدم تمكنها من البقاء في القسم الداخلي بسبب ظروفها التي لم يطلع عليها أحد من صديقاتها، وكوثر بملبسٍ واحد منذ أن بدأت الجامعة، فعرضت أحدى الطالبات حالة كوثر على مسؤولة مع اقتراح قائلة لها: كوثر طالبة ذكية ومتدينة، أنا أقترح دعوتها للذهاب الى أربعينة الحسين مع المجموعة التي نتبناها، استحسنت المسؤولة الفكرة وطلبت مقابلتها، وفعلا جاءت كوثر إلى المسؤولة وهي من المرحلة الرابعة، فقالت لها: يا كوثر نحن نُكنّ لك كل الإحترام والتقدير وانت طالبة مجدة لكن المشكلة لا نعرف عنك شيء ونشعر أنك بحاجة إلى مساعدة،
تبسمت كوثر بخجل وهمت أن تصمد وتتخطى الموقف لكن دمعة ما ترقرقت كأنها تحمل حرارة قلب كوثر ونيران السؤال نزلت على خدها بصمت! وهنا طار عقل المسؤولة الى الصندوق، وفورا بادرتها بمسح دموعها واحتضانها، فصارت كوثر تتنهد بالبكاء وأغلقت المسؤولة باب الغرفة وطلبت منها الهدوء.. لكن كوثر متأثرة جدا ولا تستطيع النطق، تعجبت المسؤولة وعرفت أن خلف كوثر قصة مؤلمة وشعرت بالتقصير كيف لم تلتفت لها منذ بداية العام!؟ بعدها اعتذرت منها وطلبت الذهاب ولم تفصح شيء لحزنها.
بقيت المسؤولة تحترق وذهنها يعيد قسمات وجه كوثر بين الحين والآخر وكيف يحكي الأسرار من صمت.. بعد ذلك ذهبت المسؤولة متأثرة وكان قرب بيتها مرقد لأحد أولاد المعصومين "عليهم السلام"، دخلت وهي تحمل ألم وشجن ما تخفيه كوثر الطالبة المجتهدة، صلّت وتوسلت أن الله يفرج كرب كوثر التي تعلقت بها المسؤولة.. وفي الليل إنتهت من واجباتها وقرأت شيء من القرآن ثم هوّمت عيناها، وإذا بها كأنها في ساحة معركة تجلس تنظر إلى المجاهدين كيف يدافعون عن الحرم، إذ اقدم إليها جريح ذراعه مقطوعة ويمسك جرحه بيده الثانية باسمُ الوجه، سلم عليها وقال: المكان خطر لماذا انت هنا، قالت: لا أعلم ولكني اشعر بطمأنينة، لكنكَ أيها الجريح كأني رأيتك من قبل! تبسم وقال: نعم رأيتيني اليوم! قالت اليوم وكيف؟! قال بوجه كوثر ابنتي الطالبة التي قابلتيها، لطمت وجهها وهي تبكي أي والله نعم من أنت ؟ قال: أنا والدها الشهيد كريم، وهنا صرخت وبكيت من قرار الروح، فقال: عليّ الرجوع ارجوكم اعتنوا بكوثر فأني تركت لها حملا ثقيلا خففوه عنها بتسهيل ذهابها إلى زيارة الحسين "عليه السلام" فهذا سوف يمنحها الصبر على مصيبتها بفقدي وفقد امها التي ماتت حرقة عليّ وحزنا لفراقي وتحمل أمانة عندها، اخيها واختها صغار وقد ارهقوها تعبا..
تقول المسؤولة: استيقظت والأهل حولي متعجّبين من صراخي الواقعي وما اشعر به وهم يحاولون ايقاظي دون فائدة.. ومنذ الصباح الباكر ذهبتُ للجامعة واخبرتُ من هنّ قريبات مني بعد أن قصصت عليهن كل شيء وتَعالى لهنّ بكاء ونحيب، وقفن على باب الجامعة ننتظر كوثر، وما أن نزلت من السيارة ركضتُ نحوها اقبّلها واقبّل يديها وهي لا تعرف ما الخبر والبقية يمسحن على حجابها ويبكين بحرقة، قالت ماذا جرى؟! قالت لها المسؤولة: كيف لا نعرف أنك بنت شهيد؟! وهنا انحنت تبكي وقالت للمسؤولة: هل أخبرك أبي بقصتي؟ قالت: نعم نعم وتجدد لهن البكاء والنحيب ، أخذتها إلى القسم وهناك بكين كثيرا، وقصت المسؤولة رؤيتها لوالدها وماذا طلب منها ابيها لأجلها، قالت كوثر: سبحان الله منذ رأيتكن تفكرن بالذهاب للاربعين كنت أنا أحدث صورة والدي عن صعوبة وضعي ومعي أيتام وقرية بعيدة ولا معين ووضع دراسي يحتاج جهد.. لم يكن مجرد حلم بل كان بابا رحمة ،فأخذ فريق صندوق "على حب الحسين" بتقديم العون لكوثر معنويا وماديا، وعندما قصت أحدى الطالبات قصتها كان اخ لها يبحث عن زوجة مؤمنة مسؤولة وهو طالب جامعي مرحلة رابعة تخصص نادر ومهم، طلب من أخته أن تخطبها له وتأتي وأخوانها هنا في بيتنا في المدينة، فمثل عوائل الشهداء يستحقون أن تفرش الورود تحت أقدامهم اين ما حلّت رحالهم..
٦ربيع الثاني١٤٤٤هج
٣/١١/٢٠٢٢م
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha