احمد خالد الكعبي ||
هذا المقال هو محاولة لقول الحقيقة ، ووضع النقاط على الحروف ، ولا علاقة له بالطائفية وتعميق شرخها الذي يدمر العراق حاليا ، ولا بالاختلاف والخلاف العقائدي والفقهي بين الشيعة والسنة ، وهو ايضا ليس دفاعا عن الطبقة الحاكمة كون ان اغلبها شيعة ، هو مقال يحاول ببساطة وضع حد للسذاجة القائلة بأن الشيعة هم من افشل الدولة الوطنية في العراق .. اذ نسي او تناسى الاغلب الاعم مقارنة 12 سنة من حكم تشاركي يقوده الشيعة ، وبين اكثر من 1000 سنة من حكم سني كامل بلا اي مشاركة من بقية المكونات. لهذا اقتضى التنويه .
الحقيقة التي لن يستطيع احد الاختلاف معها ، هي ان السنة هم من حكم العراق منذ بداية العصر الاسلامي ، وعليه فان السؤال الكبير هو : كيف لدولة عمرها اكثر من الف سنة ان تنهار ب22 يوم ..?!!.
لعل مشكلة العراق التاريخية هي ، ( والتي اصبحت معضلته الان ) ،انه شيعي في اغلبيته ، لكته ليس فارسيا ، وهو عربي ايضا في اغلبيته ، لكنه ليس سنيا .
اين اصبحت المؤسسات الوطنية للدولة فور انهيار سلطة النظام العفلقي ، وبالذات المؤسسة العسكرية ، وسأرد فورا على الرد السطحي ، او ذلك الذي يريد ان يذر الرماد في العيون للتغطية على هذه الجريمة ، والقائل بان الاحتلال الامريكي هو من هدم المؤسسات ، الاحتلال يهدم السلطة لا الدولة ، وللدقة البحثية اقول ، ان الاحتلال لم يجد بناء ليهدمه ، بل وجد عنوان لدولة كارتونية فأحرقها .
آل الاسد في سوريا حكموا ما يقرب 45 عام ، ولا يوجد مقارنة بين هذه السنين والسنين التي تزيد على الاف بكثير التي حكم فيها السنة العراق ، ولكن التجربة الاخيرة للاحداث الدموية التي جرت وتجري في سوريا اثبتت ان آل الاسد قد تمكنوا فعلا من بناء دولة وطنية ، والدليل ان جيشها والمكون من 70% من السنة ، لم يتفكك ، والدولة السورية بالمجمل ، وبرغم ان المؤامرة كونية عالمية ، لم تتعرض للتفكك ، سلطتها تعرضت للاهانة والتضعيف ، لا الدولة ، بسبب بعض الخلل البنيوي داخل تركييتها " وهي في النهاية " سلطة دكتاتورية " , وبفعل الضغط الخارجي ايضا .
مصر وبعد احداث " الربيع العربي " عاشت مرحلة خطيرة ، وانهار كل شيء تقريبا الا حصون الذولة ، وبالخصوص الجيش ، الذي غدى ملاذا اخيرا لفرض سلطة الدولة ، وارجاعها الى سكتها المستوية .
وعليه ، فان " الدولة " التي انهارت في العراق باقل من شهر ، يعني انها لم تكن دولة ، بل مجرد سلطة قمعية لا اكثر ، وليست اداة لتطبيق سلطة قانون دولة وطنية .
70% من كادر الدولة السورية وجيشها من السنة ، ويحكمها العلويون ، و60% من اراضيها الان تحت حراب الاحتلال التكفيري ، هذا صحيح ، ولكن ايضا 70% من السكان يعيشون في 40% من الاراضي الخاضعة للسلطة ، وطبعا هؤلاء اكثرهم من السنة .
في العراق اكتشفنا. ان سقوط " تمثال " للرئيس مثل سقوطا واقعيا لكل الدولة ، بينما في سوريا ومصر سقطت عشرات التماثيل والصور ولم تسقط الدولة .
اين ذهبت " الدولة " العراقية وعمرها اكثر من 1000 سنة ..??!! .. تبخرت في اقل من شهر ، وكأنها لم تكن ، فأي عاقل يصدق اننا كنا في دولة ، على الاقل تشبه الدولة المصرية والسورية .
ربما ان الميزة الوحيدة للنظام الذي هيمن عليه السنة بشكل كامل طوال هذه الاكثر من 1000 سنة ، هي انه لم يعلن صراحة انه يحكم بأسم السنة ، فهو ذكي ولديه تراكم خبرة هائل في ادارة شؤون الحكم ، وربما ذكائه اوحى له انه لا يحتاج لاعلان ذلك لانه يفعل ذلك على ارض الواقع ، فلما التصريح اذا عن حقيقة ستنبه (( الغافل وتوقض النيام )) .
وهذا ربما باختلاف مع ما فعلته " النخب الشيعية " التي اعلنت منذ البداية انها تحكم بأسم الشيعة ، هذا برغم ان حقيقة الامر تقول بان الشيعة لا يحكمون الا مناطقهم ، فضلا عن ان اصل الحكم جاء دستوريا بالشراكة لا التفرد ، وفرق كبير ان تحكم ، عن ان تكون شريكا في الحكم ، والشيعة لم يكونوا حكاما ، بل كان لهم النفوذ الاكبر نظريا على نظام المشاركة ، ثم ممكن لك ان تجعل فاصلا بين نخب شيعية حكمت ، وبين قاعدة شيعية شعبية تضررت ولم يكن نصيبها سوى القتل والخراب والفقر ، لكنك لا تستطيع ان تفصل بين النخب السنية التي حكمت العراق تاريخيا وبين اغلبية قاعدتها السنية ، كون ان الاغلبية المطلقة للقاعدة السنية الشعبية استفادت كثيرا وعلى جميع المستويات ، ولهذا فهي استماتت وتستميت لارجاع تلك النخب ، ولو بوجوه جديدة . اما القاعدة الشعبية الشيعية فقد سيرت مظاهرات للاطاحة بحكم نخبها ، وهذا يشي بانها تعتبر نفسها متضررة ، رغم ان نخبها تحكم بأسمها وجهدها الانتخابي وغير الانتخابي .
لقد اثبتت اغلب النخب السنية بالمجمل انها مع مبدأ الوطن الواحد ، ما دام السنة هم من يحكم اما حينما يدعوون لحكم تشاركي ( لنفس هدا الوطن ) فأنهم يتخذون قرارا بتدميره .
يجب ان نعرف ان توازن القوة هو الحاكم على كل تاريخ البشرية ، وعلى مفهوم الدولة بالذات ، وبالخصوص في الشرق الاوسط ، وما جرى في العراق لا يشذ عن هذه القاعدة ، بل هو في جوهر المعادلة نفسها ..
تغيرت موازين القوة فأصبح الشيعة " حكام نسبيا " ، الان يسعى الامريكان لايجاد توازن عبر التقسيم ..
عندما تتغير موازيين القوة يتغير الحكام ، وعندما يتغير الحكام تتغير المواقف ، والسنة في العراق اتخذوا موقفا نفعيا او براغماتيا شديد الدناءة من عقيدة فكرة الوطن ، فلسان حالهم قال : ما دمنا نحكم فنحن مع فكرة الوطن والوطنية ، والاخرين اصدقاء واعداء بقدر اقرارهم او رفضهم لهذا الواقع ، اما عندما نخسر الحكم ( ولو بشكل جزئي ، كون ان السنة يشتركون في جميع مؤسسات الحكم الجديد ، وفكرة تغييبهم مجرد اشاعة تهدف الى ترسيخ ان العراق سني فقط ) ، فأن لا قيمة للوطن ، ولابد من تدميره ، تارة عبر حرق الاخضر واليابس ، او عبر تقسيمه تارة اخرى ، والهدف واحد ، وهو ان العراق يجب ان يكون سنيا .. رغم انه وببساطه ليس كذلك .
اذا لم تكن فكرة الوطن مقدسة في حد ذاتها عند سنة العراق ، بل حكم الوطن هو المقدس ، بينما الشيعة قدسوا فكرة الوطن كعقيدة ، ودلك لانهم امنوا بالعراق عبر التاريخ رغم انهم لم يحكموه ، بل ولم يعرفوا اصلا انهم اغلبيته بشكل رسمي الا بعد انشاء النظام الديمقراطي الهش بعد 2003 .
ان ما نقل عن صدام قوله : " لن اسلم العراق الا ترابا " ، بغض النظر عن دقة النقل ، لا يعدو كونه امتداد لما قلناه حول التصور الواقعي لمبدأ الوطن عند سنة العراق . وان عدم قتال المحافظات السنية للاحتلال الامريكي في البداية ظنا منها ان المشروع هو صدامية بلا صدام وان الحكم سيبقى بايديها ، ثم استعار قتل الشيعة تحت يافطة قتال الامريكيين لهو من الدلائل ذات المصداقية العالية في هذا المجال ، وليس حكاية من الفلكلور الشعبي .
وختاما اقول : ان العقل الجمعي لشيعة العراق لا يخلو من سذاجة كبيرة وتستطيح ، وذلك عندما صدق ما روجت له المنظومة السياسية الخليجية الطائفية عبر وسائل اعلامها الابرز ; الجزيرة / العربية / الشرقية / البغدادية وغيرها ، الكذبة " السوداء " القائلة بأن الشيعة هم من افشل الدولة الوطنية ، وانهم من مزق العراق طائفيا ، وعلى هذا العقل ان يعي تماما ان نظام صدام كان النهاية وليس البداية للسلطة الطائفية في العراق ، اذ نحن لسنا امام نظام طائفي بل نسق طائفي امتد لمئات السنين ، شكل غياب وضعف الشيعة قوة له ايضا .
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha