كوثر العزاوي ||
قَالَ الإمَام الْحَسَن الْعَسْكري"عليه السلام": {ليس من الأدب إظهار الفرح عند المحزون} بحار الأنوار.
بينما كنت أجوب الفضاء المجازي متنقّلة بين القنوات بزخم أخبارها وغزارة مواقعها السياسية والأمنية والاقتصادية، وعلى صعيد الحوادث الطبيعية واخبار الرياضة والمجتمع والطرائف وو..غير ذلك، مما يضع المتصفّح الواعي أمام ضرورة تأصيل اهتماماته وتحديد أولوياتها بما يتعلق بعمق مبادئه لا السطح منها، على مستوى العقيدة والقيم والتعاليم الإنسانية والإسلامية والأخلاقية التي صنعت منه إنسانًا مهذّبًا ولابدَّ أن يُصبح ويُمسي وأحوال المسلمين والمستضعفين تهزّ كيانه وتؤرّقه، إذ أنّ هذا الشعور من صميم ديننا القويم ولاشك أنه من جهة مبرِئ للذمة، ومقويًا لجبهة الحق من جهة أخرى، ومن الطبيعي أن يمرّ القارئ بمحطاتٍ اخبارية متنوعة فمنها مايثير اهتمامه ومنها ما لا تحرّك ساكنًا من شعوره، وهنا تلعب الأولويات والبصيرة دورًا في اتخاذ الموقف وترتيب الأثر، وعلى ضوء ماتقدّم واثناء سياحتي الصباحية في الفضاء المجازي لفتت نظري ظاهرة الفرح ونشوة الإبتهاج وتقديم التهاني الى دولة بني سعود بمناسبة فوزهم على الأرجنتين في مباراة كرة القدم وإرسال برقيات التهنئة والتغريد على مستوى القمة من قبل رؤساء دول ومجالس النواب فضلًا عن مجاميع وتيارات وشرائح مختلفة من الشعوب بهذه المناسبة! ولكن أيّة شعوب تلك التي رقصت فرحا؟!! الشعوب التي ذاقت مرارة المفخخات والأحزمة الناسفة التي طوّقت خصرَ شبابًا انتحاريين من السعودية لينفجروا في سوقٍ هنا وشارعٍ مكتظ هناك فتخلّف بعدُ المئات من الضحايا البشرية والخسائر المادية!! لابأس! تجرّعتُ غصة الماضي القريب وواصلت تصفح المواقع، وفي أثناء ذلك ضغطت على أحد المقاطع الصوتية في إحدى القنوات وإذا بصوتِ إمرأة تلفّهُ حشرجة الوهن، تجرّ أنفاسها بالآه وهي تحاول أن توصل صوتها ملتمسة الدعاء والعون من مسلمي العالم شيعة وسنّة، لوَلدَيها الشابّين وقد حُكِما بالإعدام نحرًا بالسيف بانتظار التنفيذ مع مجموعة من الشباب بعمر الورد من قبل حكومة بني سعود، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم من "الشيعة" يالها من مصيبة!! ايضًا تحمّلتُ صعقة الخبر! وواصلتُ التنقل من قناة إلى قناة وموقع إلى موقع وإذا بطفلة يمنيّة كالبرعم المكسور ملقى على الأرض، منهكة القوى خائرة المَعدة وقد اعترضت أحدهم في حوارٍ بريء يدمي القلب لكن لم يحرك الضمير:.
- أبو معصومة
-نعم يا صغيرتنا اليمنية المنهكة
-سمعتكَ اليوم تبارك أداء المنتخب السعودي و تثني عليه!
-أجل يا صغيرتي، إنهم عرب و أنا فخورٌ بفوزهم.
-جيد، إفرح يا عمو لا بأس، و لكن هلا قلتَ للمنتخب أن يكلّم قيادة بلاده الذين تشاركهم فرحتهم اليوم أن يطعموني و يسقوني و يداووني، فهل يستجيبون لك؟
-آااا... أءءاأااا.....تلعثم الأخ ولامِن مجيب!! اللهم عجل لصاحب الزمان الفرج!
فيا أيها المسلمون وياشيعة علي بن أبي طالب”عليه السلام” نحن الآن وكل العالم في ظل حاكمية ورعاية
الإمام صاحب هذا الزمان "عجل الله تعالى فرجه"وهو إمام مفترض الطاعة وهو الحاضر الغائب، أحسبوا حسابًا لما تقولون وتكتبون وتنشرون وتؤيدون وتستنكرون!
فأين الخجل من نظراته لنا، ومتابعته لمواقفنا فربّ كلمة تدمي قلبه ولاتشعرون، فما بالكم بتغريدة ترفع بها من منسوب فرحة أعداء الله والإنسانية وتقوّيهم على قمعِنا!! ومابالك بتجمّعٍ هنا وجمهرةٍ هناك يطلقون الأهازيج والرصاص ويتراقصون طربًا لفوز منتخب"مملكة الدم" التي سلّمت الأرض والعرض والمبادئ في تطبيعها مع اسرائيل اللقيطة وشيطانها الأكبر أمريكا؟!!
الآن وأنت تقرأ هذه السطور، تذكّر طفولة اليمن المذبوحة وشبابها المستباح، وشوارع العراق المحترقة وأمنَ إيران المضطرب، ألا تتخيل حزن وألمَ إمامك الحجة الذي ينتظر منك موقفًا مبدئيًا أكثر غِيرة ورجولة وبطولة دعمًا للمستضعفين في اليمن وشيعة السعودية والبحرين؟؟!! مالكم كيف تحكمون !! تأملوا واحسبوا كلماتكم ومواقفكم وحتى تفكيركم فالغربال يهتز والدنيا تمطر فتن وانتم في أدق مواقع الإختبار والإبتلاء بين جبهتي الحق والباطل ولاحياد بينهما.
{.وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر ٨--
٢٥ربيع الثاني١٤٤٤هج
٢٣-١١-٢٠٢٢م
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha