المقالات

الصبر على الوحدة، لا العزلة والانكفاء..


كوثر العزاوي ||   روي عن الإمام الكاظم عليه السلام  انه قال: {الصبرُ على الوحدَةِ عَلَامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ رَبِّهِ وَكَانَ اللهُ آنِسَهُ فِي الْوَحْشَةِ وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ وَغِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ وَمُعِزَّهُ فِي غَيْرِ عَشِيرَةٍ} *بحار الأنوارج ٧٥ ص٣٠١* إنّ الاعتقاد بلزوم التحلّي بالصبر في الوصول لبعض مدارج الكمال، تدفع عن صاحبها حالة اليأس مهما بلغ مقدار البلاء، لأن الإنسان الرسالي خلال مسيرة حياته يتعرّض لكثير من الصدمات والهزائز النفسية والعاطفية، رغم ذلك تراه في أوجّ قوتهِ وصبره إكرامًا وحفاظًا على القيم الروحِية التي تساهم في صنع  الإرادة والسيطرة على النفس وَ إِنفعالتها وقواها الشهوية والغضبية، والواقع، أنّ السير في طريق الاستقامة والاعتدال الذي يقرّهُ العقل أمرا يحتاج الى قوة وصبر وثبات، لما في الصراط المستقيم من مرارة ووعورة لسالكيه، والأصعب من ذلك، الانتظام على المبادئ إذ يولّد ضغوطًا وتصارعًا بين العقل وغرائز الإنسان في عالم المادة والدنيا، وهذا غالبا مايعرّض سير الانسان المتعقّل إلى الإرتباك حدّ النصب!، فمن الصعب جدا لمن روّض نفسه وأحرز مقدارًا من المعرفة والورع والإصرار على إبقاء نفسه في دائرة الشرع والعقل أن يعيش في دنيا المغريات وأنواع الابتلاءات والشبهات دون ضغط وإرباك إلّا مارحم ربي!، فهو يراقب الله في أحواله من قول وفعل وموقف وإقرار، وخشية المنزلقات تحوطه، وبالتالي فإنّ مثل هذا الصنف قلّما يثبتُ معه أحد لأنه سيكون مُتعِبًا ومُجهِدًا مع مَن حولَه من المتهاونين والمستسهلين نواميس الحق، إذ الحقّ ثقيل،  والسير في طريقه موحِش لقلّة سالكيه وأصحابه قليلون! فلطالما عاش الانبياء والأولياء والصالحون الوحدة والغربة، لانهم بين قوم لايعرفون قيمتَهم من جهة، ولا يستطيعون الصبر على منهجهم القويم من جهة اخرى، لذا لم يرَ مثل هؤلاء من قيمة للكثرة العددية ولا مقدارًا للملتفّينَ حولهم ، فالاعتبار والقيمة إنما تكمَن في نمط النوعيّة وهي المتوخاة والعون في الوصول إلى الأهداف السامية!، ومن هنا جاء القول المشهور لسيد المتقين أمير المؤمنين"عليه السلام": {لا تزيدني كثرة الناس حولي عزّة، ولا تفرّقهم عني وحشة..} فالمؤمن يأنس بمَن يشبهه من حيث التوجه والمقصد والاعتقاد والهدف المشترك ومَن يراه أهلًا للمؤازرة والصحبة،كما يستوحش من المناوئين للحقّ ومَن يتساهلوا في تطبيق شرع الله والوقوف عند حدوده، فمثل هؤلاء، ليس من الخسارة الابتعاد عنهم، والخير في عدم صحبتهم، إذ لاشيء أعز من الدين الحنيف ولااحد جدير بالتضحية غير الحق وعارِفيه! فالصبر على الوحدة لأجل الحفاظ على الدين إنما هو ايمان وتعقّل، مع الإلتفات إلى أنّ الوحدة المُمتدَحة غير العزلة والانطوائية والانكفاء على الذات، كلّا والف كلّا! إنما هي الاستقامة والمنطلق نحو معترك الحياة الصادعة بالحق والصادحة بالحقيقة، كما أن اغلب الصالحين المصلحين في غُربة روحية- غربة مبادئ- لم تعرفهم مجتمعاتهم ولم تهتدي الى خصائص ومستويات شخصياتهم، لأنهم جانبوا الأضواء ومَحَّضوا حركتهم لله وفي سبيله "عزوجل" حدّ النَّفيِ والعروج غرباء كالصحابي الجليل أبي ذر الغفاريّ "رضوان الله عليه" والذي صدُقت نبؤة النبي في حقّه: { تمشي وحدك و تموت وحدك و تبعث وحدك } فطوبى للغرباء!   ٩-جمادي الأول١٤٤٤هج ٤--١٢--٢٠٢٢م
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك