المقالات

الدولة الحضارية الحديثة؛ ظاهرة بشرية بحسناتها وسيئاتها


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

الدولة الحضارية الحديثة  هي الدولة التي تستند الى منظومة القيم الحضارية العليا الحافة بعناصر المركب الحضاري الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. ومنظومة القيم العليا هي "وصفة للحياة الطيبة" التي يستحقها الانسان. كل الاديان والفلسفات وفي مقدمتها القران الكريم تعلن انها بصدد تحقيق هذه الحياة الطيبة للانسان. يقول القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"، "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". تتحقق الحياة الطيبة بالحرية والعدل والمساواة واستثمار الخيرات الطبيعية لهذا الغرض. وهذا كله يتوقف على عمل الانسان وسعيه:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ".  وانما اكثرت من الاستشهاد بالقران الكريم لاظهر للناس الابعاد الحضارية في القران الكريم.

ومنظومة القيم الحضارية العليا هي التي تمكن الانسان من بناء علاقة مع الطبيعة تؤدي الى حسن الاستثمار وعلاقة مع الانسان تؤدي الى العدل والمساواة. ومن هاتين العلاقتين يتحقق المجتمع المتحضر، المجتمع الذي يجسد في سلوكه وسلوك افراده منظومة القيم  الحضارية العليا.  وفي مقدمة ذلك وفرة الانتاج وعدالة التوزيع. وهما العنصران الاساسيان في اقتصاد الدولة الحضارية الحديثة. ولهذا كان  الانسان المتحضر هو اللبنة الاساسية في اقامة المجتمع المتحضر واقامة الدولة الحضارية الحديثة. وهذا هو الانسان المجعول خليفة لله في الارض، او مديرا ومدبرا وقائدا لها. والخلافة الربانية المذكورة بالقران مشروطة بالعلم: "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا". على مدى الاف السنين كان الانسان بدائيا حتى تطورت قواه العقلية فاصطفاه الله وجعله خليفة له في الارض: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ"، "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا". وبنو ادم هم الجنس البشري الاخير بعد فناء الاجناس البشرية الاخرى التي سبقت "ادم". وهم الذين صنعوا الحضارية البشرية ومنها الحضارة السومرية في جنوب العراق القديم.

و كلمتا "الحضارية / الحديثة" صفتان للدولة،  واذا كانت الصفة الاولى تعني تجسيد منظومة القيم، فان الصفة الثانية تعني تجسيد خصائص العصر. ولكل عصر حداثته. والحداثة تمثل درجة الرقي والتقدم التي حققها الانسان في العصر المعطى. وهذا التطور والتقدم وان كان مطردا على مستوى التاريخ، كما نشاهد وكما نفهم من قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"، او قوله تعالى:"سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، الا انه قد يشهد نكسات تعبر عن حالات الضعف والقوة في الجنس البشري : "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا". ومن مظاهر الفجور والضعف الدكتاتورية والظلم والاحتكار والاستكبار والشذوذ الجنسي وغير ذلك. لكن حالات الفجور تمثل انحرافا عن الفطرة الانسانية لا يكتب لها البقاء لان سنن التاريخ تملك القوة التي تمكنها من تعديل مسارات الانسان والقضاء على انحرافاته.

والدولة ظاهرة بشرية انشأها الانسان تحت اشراف الانبياء، وطورها بنفسه بما يملكه من  قدرة عقلية وتراكم للخبرة. وقد انشأ الانسان انواعا من الدول حسب درجة تطوره بدءا من دول المدن التي ظهرت في وادي الرافدين اولا وانتشرت لاحقا في مناطق اخرى، الى دولة الامة، ومن الدولة التقليدية القديمة الى الدول الحديثة التي تستند الى المواطنة والديمقراطية والدستور والانتخاب واستقلال الدولة عن شخص الحاكم والفصل بين السلطات و والوطن او الاقليم ضمن الحدود الدولية المعترف بها  الخ. ومازال خط التطور في بناء الدولة قائما ولا نعرف له نهاية الا ببلوغ الانسان حده الاقصى في التكامل، وعلم ذلك عند الله سبحانه وتعالى

 

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك