مازن الولائي ||
١٢ شعبان ١٤٤٤هجري
١٤ اسفند ١٤٠١
٢٠٢٣/٣/٥م
واحدةٌ من زهور حدائق تلك العائلة التي نهجت نهجًا عقائديًا علميًا، بين طبيب ومهندس وأصحاب شهادات، زهرة لم تكن تربتها هشة ولاضعيفة أو بلا فيتامين يجعل من لمعان لونها باهتًا، بل كل ما في تلك الحديقة الغنّاء وطير الوئام الشَّدي ورابط الانسجام ومحرك الشريعة كان يصدح في صلوات فجّرها الحذر واليقظة!
أخوةٌ أطباء كل مداد ثقافتهم رسالية لم تؤثِّر فيها الثقافة العلمانية ولا الماركسية ولا البعثية آنذاك، أطباء في بيت لم يشكو من شيء عدا حرية العقيدة والرأي وخدمة البشر أيًّا كان ذلك الصنف من البشر!؟ فالقَسَم عند مثل هذا الإنموذج "الطبيب" غليظ ولا سبيل لنقضهِ، لكنه لم يكن حاجزًا عن هتكِ سكونهِم وحرمتهِم وهدوء ذلك البيت المفعم بهم وبالنهج الرساليّ الذي يتّبعون، ليتوقف الزمن في أركانه فجأة! ولحظةٌ ما كان أحدٌ يتمنى هذا التوقف، حيث الكل ينتظر عودة أثنين من الأطباء وزوجاتهم كل مساء ينتهي به مشوار خدمتهم وتقديم العلاج للناس بقلوب تقطر رحمة وإنسانية..
مرَّ الوقت ولم يك النقال قد حلّ آنذاك ليسعف المنتظرين والورود من عائلة الحاج "فلان" حتى بدأ الإنتظار يُذيب لها رَونقها المعتاد! إذ مرّ وقت لا يمكن حسابه لعِظَمِ مرارَتِه أو تلمّس أعذارًا بعيدة إلّا من عذرٍ أنهم في خَطر الاعتقال! وما راهنَ على هذا الاحتمال سوى قلب الأم الذي لايخطو الصواب، وحَدسُ الأبِ وحنانُه الذي يتهيأ لخبرٍ ما كان يتمنّاه يومًا ما! وطالَ الوقتُ ولم يَعُد الطبيبان، وبدأت ملامِحُ العائلة يحثها شعور أن اخفوا ما يمكن إخفاؤه مما يعدّهُ أزلام النظام خطرًا على نظامه القمعي، فقد يكون المحذور قد وقع لامحال! فهاجَت وماجَت ورود حدائق عائلة "فلان" وقد شبَّت نيران الخوف وتغيّرت مظاهر الهدوء، والطعام بقيَ حائرًا على طاولة الإنتظار، هل يبقى ساخنًا أم يُعلن برودته التي تُشابهُ برودة الجسد بعد أن تفارِقَهُ الروح!
ولم يكن ذلك المساء مساءًا! والليل أصبح طويلًا ولا متنفسًا لأحد ليعبّرَ عن بركانٍ يعتري روحَهُ، والدموع تأبى إلّا أن تنحدِرَ حامية تحرق الخدود والقلق يَلتَهمُ الأفئدة! فالمفقودين أخوة وزوجة طبيبة وطفل رضيع، فهم من أجمل مارأت العيون وعُرِفت الاخلاق، وماأن اعتاد من بَقيَ من العائلة من التسليم لقضاء الله، حتى جاء يومًا آخرًا أشدُّ مرارة، ليُطرَقُ البابُ ثانية بأيدٍ آثمة لم تعهدها العائلة التي حفِظَت كل طَرقةِ أبنائها بأيادٍ لم يُلوثها غبار الدنيا، هَرعَ الأبُ والأم والبقيّة خلفَ الحذر تَصطكُّ لهنَّ قوائمَ تعذَّرت عن حَملهُنَّ، قالَ بصوتٍ أجشٍّ غليظ:
أبناؤكُم في قبضةِ البعث!..إنها محنةُ الردّ والتصرف، وما العمل؟! وأيّ شيء ينفع؟! ولمَن أُخبِر؟! ومَن يَستجيب؟! وشلالٌ من عصارةِ ألمٍ تضغطُ على قلوبٍ لم تعرِف غير الدمعة على الحسين تُسكَبُ في مستَترُ الزوايا، لكنِ الثبات وسُقيا القراح الطاهر والخالي من الشبهة كان له الأثرَ رغم حرارةَ الموقف وشدة المعضِلة! أطباء وامرأة في ريعان الشباب وولدٌ لم يُعثر عليه الى اليوم، ولا علمَ بما قرَّر الجلّاد والسجان بشأنهِ وقتئذٍ!!،
كوكبةٌ من العلم وتربية أوصَلَتهم إلى هرَمِ الغاية وهي"الشهادة" ولازال في كأس ذلك الأبِ المفجوع والأم المذعورة بقية من صبر زينب يتعكّزانِ عليها بقيّة عُمرهم، حتى تمادى القدر وقرَّر قطفَ زهرتهم وسلوى كانت تمثّلُ لهم بارقة أملٍ عندما خفَقَ المشيب! طارقًا بتلك اليَد التي أرعبتهم منذ،عامينِ، ويلدو لم تكتفِ، بل جاء اليوم ذات الجلاد، إذ يريد اقتياد البنت التي الكلّ يعرف حجمَ ألَمِها في حال قرّر الطغاة سحبَها أمام ناظري أبويها على إثر تهمة لم تبتعِد عن تهمةِ إخوتها الذين نُقلَت نعوشَهم الملائكة الى حيث البقاء والحياة الأبدية، أنثى بعمر الزهور لم يَمسَسها إلّا ماء الوضوء، ولم يرى جدائلها إلّا مَن خوّلَه الشرع! وقد يتفنّنُ القابضَ عليها بتَغييبها في مطامير "سجن الرّشاد" نكبة المكان والزمان!
سجّانٌ لا يملِك ذرَّةَ إنسانيةً ولا بقايا شرف الهَوام! وحسبكَ تلك الحديقة التي أُطفئِت انوارها بآخر نورِ أبنتهم التي تمنّوا وقتَها أنها لم تلِد ولم تكُن ولم تعِش لتراها عَين والدها الغيور بيدِ الجلّاد منزوع الرأفة والغيرة!
ضاعَ خبرها واندثرَ أثرها، والصمت عام يسلّمهُ لعامٍ آخر لتمضي خمسة أعوامٍ من اليأس ووردَتهم في سجن الرشاد لم يبقَ أذىً وظلم لم ينالها ورفيقاتُ عفافها وسيداتُ الشرف الفاطمي العلوي الزينبي، لِيتلطّف بعد ذلك القدر بتسخير شخصٍ للآن لا تعرف العائلة كيف اقتنع أن يَنقلَ رسالةً من السجن لتلك العائلة التي لم يَعد يرى ضياءًا في أروقة بيتها المقفِر بعد أن كان أزهريُّ الوجود يَقرأ العاشقون أسطرَ رواياتهم عند سياجِ الدار المضيء..طارقٌ يهمِس همسًا، وعيونُه تفصِحُ عمّا تحملُ من بشرى لتقول: معي لكم خبَرًا ولكن إن خرجَ منكم سيُقضى على بقيّتكُم الباقية! ما الخبر يا ولدي
تكلّم والعهد بيننا أمانة؟! قال: أحمل رسالة من زهرتِكم التي قُطِفت قبل خمسة أعوام! السجينة(..) ولكم أن تتخيّلوا ما جرى حينها على ذلك الأب وتلك الأم التي لم تبق عيونَها تختزل الدموع خبر الأطباء وقد قضى على كل سواقي نظرها وجفَّ ما يرطّب جفونها، ومن يقول أنك صادق؟! أو أنك لا تريد أذيتنا؟! لكن لم يجد غير التشبّث بالأمل ولو صفر بالمائة..لقد بدا صادقًا ذلك الرسول الغيور، وأتى لطف الله "عزوجل" أنها على قيدِ الحياة، ليأتي يومُ المواجهة معها في مطامير لا نعرف كيف تخطّتها عيون البحث والدراما وأقلام المنتِجين لتُظهر كَمِّ الأنين ونوعهِ وما جرى على وُرودِ حدائق الرسالة وواحات العفاف على أيدي زناة بغاة كفرة لاتعرِفُ الإنسانية إليهم سبيلا!
وقد يَعجز القلم عن المواصلة فقد تحتاج هذه الحقيقة إلى محفّزات وعواملَ مساعِدة ليصل القارئ معنا إلى حقيقة الوقائع التي لاخيال معها، وليتَعرَّف الجيل على حقبةٍ ظالِمة مظلِمة من تأريخ عراق المقدسات.
v القصة هي أحد أنواع الفن الذي يؤكد عليه القائد الولي الخامنائي المفدى، لما لها من تأثير وسحر آخاذ على روح وقلب الإنسان وهي أحد وأهم أنواع جهاد التبيين..
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha